مولده رضي الله عنه :
ولد الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الذهلي الشيباني في بغداد في شهر ربيع الأول سنة 164 هـ 780م وتنقل بين الحجاز واليمن ودمشق. سمع من كبار المحدثين ونال قسطاً وافراً من العلم والمعرفة، حتى قال فيه الإمام الشافعي: "خرجت من بغداد فما خلّفت بها رجلاً أفضل ولا أعلم ولا أفقَهَ من ابن حنبل".
وعن إبراهيم الحربي، قال: "رأيت أحمد ابن حنبل، فرأيت كأن الله جمع له علم الأولين والآخرين من كل صنف يقول ما يشاء ويمسك عمّا يشاء". ولم يكن ابن حنبل يخوض في شيء مما يخوض فيه الناس من أمر الدنيا
صفته :
قال ابن ذريح العُكْبَرِي : طلبت أحمد بن حنبل فسلمت عليه ، وكان شيخا مخضوبا طوالا أسمر شديد السمرة . قال أحمد : سمعت من علي بن هاشم سنة تسع سبعين ، فأتيته المجلس الآخر ، وقد مات . وهي السنة التي مات فيها مالك ، وأقمت بمكة سنة سبع وتسعين ، وأقمت عند عبد الرزاق سنة تسع وتسعين . ورأيت ابن وهب بمكة ، ولم أكتب ، عنه .
قال محمد بن حاتم : ولِي حنبل جد الإمام سَرْخَس ، وكان من أبناء الدعوة ، فحُدثتُ أنه ضربه المسيَّب بن زهير ببخارى لكونه شغَّب الجند .
وعن محمد بن عباس النحوي ، قال : رأيت أحمد بن حنبل حسن الوجه ، رَبْعة ، يخضب بالحناء خضابا ليس بالقاني ، في لحيته شعرات سود ، ورأيت ثيابه غلاظا بيضا ، ورأيته معتما وعليه إزار .
وقال المروذي : رأيت أبا عبد الله إذا كان في البيت عامة جلوسه متربعا خاشعا . فإذا كان بَرّا ، لم يتبين منه شدة خشوع ، وكنت أدخل ، والجزء في يده يقرأ .
رحلته وحفظه :
قال صالح : سمعت أبي يقول : خرجت إلى الكوفة ، فكنت في بيت تحت رأسي لبنة ، فحججت ، فرجعت إلى أمي ، ولم أكن استأذنتها .
وقال حنبل : سمعت أبا عبد الله ، يقول : تزوجت وأنا ابن أربعين سنة ، فرزق الله خيرا كثيرا .
قال أبو بكر الخلال في كتاب " أخلاق أحمد " ، وهو مجلد : أملَى عليّ زهير بن صالح بن أحمد ، قال : تزوج جدي عباسة بنت الفضل من العرب ، فلم يولد له منها غير أبي . وتوفيت فتزوج بعدها ريحانة ، فولدت عبد الله عمي ، ثم توفيت ، فاشترى حُسْنا ، فولدت أم علي زينب ، وولدت الحسن والحسين توأما وماتا بقرب ولادتهما ، ثم ولدت الحسن ومحمدا ، فعاشا حتى صارا من السن إلى نحو من أربعين سنة ، ثم ولدت سعيدا . قيل : كانت والدة عبد الله عَوراء ، وأقامت معه سنين .
قال المروذي : قال لي أبو عبد الله : اختلفت إلى الكتاب ، ثم اختلفت إلى الديوان ، وأنا ابن أربع عشرة سنة . وذكر الخلال حكايات في عقل أحمد وحياته في المكتب وورعه في الصغر .
حدثنا المروذي : سمعت أبا عبد الله ، يقول : مات هشيم ولي عشرون سنة ، فخرجت أنا والأعرابي رفيق كان لأبي عبد الله ، قال : فخرجنا مشاة ، فوصلنا الكوفة ، يعني : في سنة ثلاث وثمانين ، فأتينا أبا معاوية ، وعنده الخلق ، فأعطى الأعرابي حَجَّة بستين درهما ، فخرج وتركني في بيت وحدي ، فاستوحشت ، وليس معي إلا جراب فيه كتبي ، كنت أضعه فوق لبنة ، وأضع رأسي عليه . وكنت أذاكر وكيعا بحديث الثوري ، وذكر مرة شيئا ، فقال : هذا عند هشيم ؟ فقلت : لا. وكان ربما ذكر العشر أحاديث فأحفظها ، فإذا قام ، قالوا لي ، فأُمليها عليهم .
وحدثنا عبد الله بن أحمد ، قال لي أبي : خذ أي كتاب شئت من كتب وكيع من المصنف ، فإن شئت أن تسألني عن الكلام حتى أخبرك بالإسناد ، وإن شئت بالإسناد حتى أخبرك أنا بالكلام .
وحدثنا عبد الله بن أحمد : سمعت سفيان بن وكيع ، يقول : أحفظ عن أبيك مسألة من نحو أربعين سنة . سئل عن الطلاق قبل النكاح ، فقال : يروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن علي وابن عباس ونيف وعشرين من التابعين ، لم يروا به بأسا . فسألت أبي عن ذلك ، فقال : صدق ، كذا قلت .
قال : وحفظت أني سمعت أبا بكر بن حماد ، يقول : جمعت أبا بكر بن أبي شيبة ، يقول : لا يقال لأحمد بن حنبل : من أين قلت ؟ وسمعت أبا إسماعيل الترمذي ، يذكر عن ابن نمير ، قال : كنت عند وكيع ، فجاءه رجل ، أو قال : جماعة من أصحاب أبي حنيفة ، فقالوا له : هاهنا رجل بغدادي يتكلم في بعض الكوفيين ، فلم يعرفه وكيع . فبينا نحن إذ طلع أحمد بن حنبل ، فقالوا : هذا هو ، فقال وكيع : هاهنا يا أبا عبد الله ، فأفرجوا له ، فجعلوا يذكرون عن أبي عبد الله الذي ينكرون . وجعل أبو عبد الله يحتج بالأحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا لوكيع : هذا بحضرتك ترى ما يقول ؟ فقال : رجل يقول : قال رسول الله ، أيش أقول له ؟ ثم قال : ليس القول إلا كما قلت يا أبا عبد الله ، فقال القوم لوكيع : خدعك والله البغدادي .
قال عارِم : وضع أحمد عندي نفقته ، فقلت له يوما: يا أبا عبد الله ، بلغني أنك من العرب . فقال : يا أبا النعمان ، نحن قوم مساكين فلم يزل يدافعني حتى خرج ، ولم يقل لي شيئا .
قال الخلال : أخبرنا المروذي : أن أبا عبد الله ، قال : ما تزوجت إلا بعد الأربعين . وعن أحمد الدورقي ، عن أبي عبد الله ، قال : نحن كتبنا الحديث من ستة وجوه وسبعة لم نضبطه ، فكيف يضبطه من كتبه من وجه واحد ؟! قال عبد الله بن أحمد : قال لي أبو زرعة : أبوك يحفظ ألف ألف حديث ، فقيل له : وما يدريك ؟ قال : ذاكرته فأخذت عليه الأبواب . فهذه حكاية صحيحة في سعة علم أبي عبد الله ، وكانوا يعدون في ذلك المكرر ، والأثر ، وفتوى التابعي ، وما فُسِّر ، ونحو ذلك وإلا فالمتون المرفوعة القوية لا تبلغ عشر معشار ذلك .
قال ابن أبي حاتم : قال سعيد بن عمرو : يا أبا زرعة ، أأنت أحفظ ، أم أحمد ؟ قال : بل أحمد . قلت : كيف علمت ؟ قال : وجدت كتبه ليس في أوائل الأجزاء أسماء الذين حدثوه . فكان يحفظ كل جزء ممن سمعه ، وأنا لا أقدر على هذا . وعن أبي زرعة قال : حُزِرَتْ كتب أحمد يوم مات ، فبلغتْ اثني عشر حِملا وعِدلا . ما كان على ظهر كتاب منها حديث فلان ، ولا في بطنه حدثنا فلان ، كل ذلك كان يحفظه .
وقال حسن بن منبه : سمعت أبا زرعة ، يقول : أخرج إليّ أبو عبد الله أجزاء كلها سفيان سفيان ، ليس على حديث منها " حدثنا فلان " ، فظننتها عن رجل واحد ، فانتخبت منها . فلما قرأ ذلك علي جعل يقول : حدثنا وكيع ، ويحيى ، وحدثنا فلان ، فعجيت ، ولم أقدر أنا على هذا .
قال إبراهيم الحربي : رأيت أبا عبد الله ، كأن الله جمع له علم الأولين والآخرين . وعن رجل قال : ما رأيت أحدأ أعلم بفقه الحديث ومعانيه من أحمد . أحمد بن سلمة : سمعت ابن راهويه ، يقول : كنت أجالس أحمد وابن معين ، ونتذاكر فأقول : ما فقهه ؟ ما تفسيره ؟ فيسكتون إلا أحمد .
قال أبو بكر الخلال : كان أحمد قد كتب كتب الرأي وحفظها ، ثم لم يلتفت إليها .
قال إبراهيم بن شماس : سألنا وكيعا عن خارجة بن مصعب ، فقال : نهاني أحمد أن أحدِّث عنه .
قال العباس بن محمد الخلال : حدثنا إبراهيم بن شماس ، سمعت وكيعا وحفص بن غياث ، يقولان : ما قدم الكوفة مثل ذاك الفتى ، يعنيان : أحمد بن حنبل . وقيل : إن أحمد أتى حسينا الجعفي بكتاب كبير يشفع في أحمد ، فقال حسين : يا أبا عبد الله ، لا تجعل بيني وبينك منعما فليس تحَمَّل عليّ بأحد إلا وأنت أكبر منه . الخلال : حدثنا المروذي ، أخبرنا خضر المروذي بطرسوس ، سمعت ابن راهويه ، سمعت يحيى بن آدم ، يقول : أحمد بن حنبل إمامنا .
الخلال : حدثنا محمد بن علي ، حدثنا الأثرم ، حدثني بعض من كان مع أبي عبد الله ، أنهم كانوا يجتمعون عند يحيى بن آدم ، فيتشاغلون عن الحديث بمناظرة أحمد يحيى بن آدم ، ويرتفع الصوت بينهما ، وكان يحيى بن آدم واحد أهل زمانه في الفقه .
الخلال : أخبرنا المروذي ، سمعت محمد بن يحيى القطان ، يقول : رأيت أبي مكرَّما لأحمد بن حنبل ، لقد بذل له كُتُبه ، أو قال : حديثه .
وقال القواريري : قال يحيى القطان : ما قدم علينا مثل هذين؛ أحمد ويحيى بن معين . وما قدم عليّ من بغداد أحب إليّ من أحمد بن حنبل .
وقال عبد الله بن أحمد : سمعت أبي يقول : شقّ علَى يحيى بن سعيد يوم خرجتُ من البصرة .
عمرو بن العباس : سمعت عبد الرحمن بن مهدي ، ذكر أصحاب الحديث ، فقال : أعلمهم بحديث الثوري أحمد بن حنبل . قال : فأقبل أحمد ، فقال ابن مهدي : من أراد أن ينظر إلى ما بين كتفي الثوري ، فلينظر إلى هذا .
قال المروذي : قال أحمد : عنيت بحديث سفيان ، حتى كتبته عن رجلين ، حتى كلمنا يحيى بن آدم ، فكلم لنا الأشجعي ، فكان يخرج إلينا الكتب ، فنكتب من غير أن نسمع . وعن ابن مهدي ، قال : ما نظرت إلى أحمد إلا ذكرتُ به سفيان .
قال عبد الله بن أحمد : سمعت أبي يقول : خالف وكيعٌ ابنَ مهدي في نحو من ستين حديثا من حديث سفيان ، فذكرت ذلك لابن مهدي ، وكان يحكيه عني . عباس الدوري : سمعت أبا عاصم يقول لرجل بغدادي : من تعدون عندكم اليوم من أصحاب الحديث ؟ .
قال : عندنا أحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، وأبو خيثمة ، والمُعَيْطي ، والسُّويدي ، حتى عدَّ له جماعة بالكوفة أيضا وبالبصرة . فقال أبو عاصم : قد رأيت جميع من ذكرت ، وجاءوا إليَّ ، لم أر مثل ذاك الفتى ، يعني : أحمد بن حنبل .
قال شجاع بن مخلد : سمعت أبا الوليد الطيالسي ، يقول : ما بالمصرين رجل أكرم عليّ من أحمد بن حنبل . وعن سليمان بن حرب ، أنه قال لرجل : سَلْ أحمد بن حنبل ، وما يقول في مسألة كذا ؟ فإنه عندنا إمام .
الخلال : حدثنا علي بن سهل ، قال : رأيت يحيى بن معين عند عفان ، ومعه أحمد بن حنبل ، فقال : ليس هنا اليوم حديث . فقال يحيى : ترد أحمد بن حنبل ، وقد جاءك ؟ فقال : الباب مقفل ، والجارية ليست هنا . قال يحيى : أنا أفتح ، فتكلم على القُفل بشيء ، ففتحه . فقال عفان : أفشَّاش أيضا؟! وحدثهم .
قال : وحدثنا المروذي : قلت لأحمد : أكان أُغميَ عليك ، أو غُشِي عليك عند ابن عيينة ؟ قال : نعم ، في دهليزه زَحَمني الناس ، فأُغمي عليّ .
وروي أن سفيان ، قال يومئذ : كيف أحدث وقد مات خير الناس ؟ .
وقال مُهَنَّى بن يحيى : قد رأيت ابن عيينة ، ووكيعا ، وبقية ، وعبد الرزاق ، وضَمْرَة ، والناس ، ما رأيت رجلا أجمع من أحمد في علمه وزهده وورعه . وذكر أشياء .
وقال نوح بن حبيب القومسي : سلمت على أحمد بن حنبل في سنة ثمان وتسعين ومائة بمسجد الخَيْف ، وهو يُفتي فُتيا واسعة .
وعن شيخ أنه كان عنده كتاب بخط أحمد بن حنبل ، فقال : كنا عند ابن عيينة سنة ، ففقدت أحمد بن حنبل أياما ، فدللت على موضعه ، فجئت ، فاذا هو في شبيه بكهف في جياد . فقلت : سلام عليكم ، أدخل ؟ فقال : لا . ثم قال : ادخل ، فدخلت ، وإذا عليه قطعة لِبْدٍ خَلَق ، فقلت : لم حجبتني ؟ فقال : حتى استترت . فقلت : ما شأنك ؟ قال : سرقت ثيابي . قال : فبادرت إلى منزلي فجئته بمائة درهم ، فعرضتها عليه ، فامتنع ، فقلت : قرضا ، فأبى ، حتى بلغت عشرين درهما ، ويأبى . فقمت ، وقلت : ما يحل لك أن تقتل نفسك . قال : ارجع ، فرجعت ، فقال : أليس قد سمعت معي من ابن عيينة ؟ قلت : بلى . قال : تحب أن أنسخه لك ؟ قلت : نعم . قال : اشتر لي ورقا . قال : فكتب بدراهم اكتسى منها ثوبين .
الحاكم : سمعت بكران بن أحمد الحنظلي الزاهد ببغداد ، سمعت عبد الله بن أحمد ، سمعت أبي يقول : قدمت صنعاء ، أنا ويحيى بن معين ، فمضيت إلى عبد الرزاق في قريته ، وتخلف يحيى ، فلما ذهبت أدق الباب ، قال لي بقال تجاه داره : مهْ ، لا تدق ، فإن الشيخ يهاب . فجلست حتى إذا كان قبل المغرب ، خرج فوثبت إليه ، وفي يدي أحاديث انتقيتُها ، فسلمت ، وقلت : حدثني بهذه رحمك الله ، فإني رجل غريب . قال : ومن أنت ؟ وزبرني . قلت : أنا أحمد بن حنبل ، قال : فتقاصر ؟ وضمني إليه ، وقال : بالله أنت أبو عبد الله ؟ ثم أخذ الأحاديث ، وجعل يقرؤها حتى أظلم ، فقال للبقال : هلم المصباح حتى خرج وقت المغرب ، وكان عبد الرزاق يؤخر صلاة المغرب .
الخلال : حدثنا الرمادي ، سمعت عبد الرزاق ، وذكر أحمد بن حنبل ، فدمعت عيناه ، فقال : بلغني أن نفقته نفدت ، فأخذت بيده ، فأقمته خلف الباب ، وما معنا أحد ، فقلت له : إنه لا تجتمع عندنا الدنانير ، إذا بعنا الغلة ، أشغلناها في شيء . وقد وجدت عند النساء عشرة دنانير فخذها ، وأرجو أن لا تنفقها حتى يتهيأ شيء . فقال لي : يا أبا بكر ، لو قبلت من أحد شيئا ، قبلت منك .
وقال عبد الله : قلت لأبي : بلغني أن عبد الرزاق عرض عليك دنانير ؟ .
قال : نعم . وأعطاني يزيد بن هارون خمس مائة درهم -أظن- فلم أقبل ، وأعطى يحيى بن معين ، وأبا مسلم ، فأخذا منه .
وقال محمد بن سهل بن عسكر : سمعت عبد الرزاق ، يقول : إن يعشْ هذا الرجل ، يكون خلفا من العلماء .
المروذي : حدثني أبو محمد النسائي ، سمعت إسحاق بن راهويه ، قال : كنا عند عبد الرزاق أنا وأحمد بن حنبل ، فمضينا معه إلى المصلى يوم عيد ، فلم يكبر هو ولا أنا ولا أحمد ، فقال لنا : رأيت معمرا والثوري في هذا اليوم كبرا ، وأني رأيتكما لم تكبرا فلم أكبر ، فلم لم تكبرا ؟ قلنا : نحن نرى التكبير ، ولكن شُغلنا بأي شيء نبتدئ من الكتب .
أبو إسحاق الجوزجاني ، قال : كان أحمد بن حنبل يصلي بعبد الرزاق ، فسها ، فسأل عنه عبد الرزاق ، فأخبر أنه لم يأكل منذ ثلاثة أيام شيئا. رواها الخلال ، قال : سمعت أبا زرعة القاضي الدمشقي عن الجوزجاني .
قال الخلال : حدثنا أبو القاسم بن الجبلي ، عن أبي إسماعيل الترمذي ، عن إسحاق بن راهويه ، قال : كنت مع أحمد بن حنبل عند عبد الرزاق ، وكانت معي جارية ، وسكنَّا فوق ، وأحمد أسفل في البيت . فقال لي : يا أبا يعقوب : هو ذا يعجبني ما أسمع من حركتكم . قال : وكنت أطلع فأراه يعمل التكك ، ويبيعها ، ويتقوت بها هذا أو نحوه .
قال المروذي : سمعت أبا عبد الله ، يقول : كنت في إِزْرِي من اليمن إلى مكة . قلت : اكتريت نفسك من الجمالين ؟ قال : قد اكتريت لكتبي ، ولم يقل لا . وعن إسماعيل ابن عُلَيَّة : أنه أقيمت الصلاة ، فقال : هاهنا أحمد بن حنبل ، قولوا له يتقدم يصلي بنا .
وقال الأثرم : أخبرني عبد الله بن المبارك شيخ سمع قديما ، قال : كنا عند ابن عُليَّة ، فضحك بعضنا وثم أحمد . قال : فأتينا إسماعيل بعد فوجدناه غضبان ، فقال : تضحكون وعندي أحمد بن حنبل! .
قال المروذي : قال لي أبو عبد الله : كنا عند يزيد بن هارون ، فوهم في شيء ، فكلمته ، فأخرج كتابه ، فوجده كما قلت ، فغيره فكان إذا جلس ، يقول : يا ابن حنبل ، ادْنُ ، يا ابن حنبل ، ادن هاهنا . ومرضت فعادني ، فنطحه الباب .
المروذي : سمعت جعفر بن ميمون بن الأصبغ ، سمعت أبي يقول : كنا عند يزيد بن هارون ، وكان عنده المُعَيْطي ، وأبو خيثمة ، وأحمد ، وكانت في يزيد -رحمه الله- مداعبة ، فذاكره المعيطي بشيء . فقال له يزيد : فقدتك ، فتنحنح أحمد فالتفت إليه ، فقال : من ذا ؟ قالوا : أحمد بن حنبل ، فقال : ألا أعلمتموني أنه هاهنا ؟ .
قال المروذي : فسمعت بعض الواسطين يقول : ما رأيت يزيد بن هارون ترك المزاح لأحد إلا لأحمد بن حنبل .
قال أحمد بن سنان القطان : ما رأيت يزيد لأحد أشد تعظيما منه لأحمد بن حنبل ، ولا أكرم أحدا مثله ، كان يقعده إلى جنبه ، ويوقِّره ، ولا يمازحه .
وقال عبد الرزاق : ما رأيت أحدا أفقه ولا أورع من أحمد بن حنبل . قلت : قال هذا ، وقد رأى مثل الثوري ومالك وابن جريج .
وقال حفص بن غياث : ما قدم الكوفة مثل أحمد .
وقال أبو اليمان : كنت أشبه أحمد بأرطاة بن المنذر .
وقال الهيثم بن جميل الحافظ : إن عاش أحمد سيكون حجة على أهل زمانه .
وقال قتيبة : خير أهل زماننا ابن المبارك ، ثم هذا الشاب ، يعني : أحمد بن حنبل ، وإذا رأيت رجلا يحب أحمد ، فاعلم أنه صاحب سنة . ولو أدرك عصر الثوري ، والأوزاعي ، والليث ، لكان هو المقدم عليهم . فقيل لقتيبة : يضم أحمد إلى التابعين ؟ قال : إلى كبار التابعين .
وقال قتيبة : لولا الثوري ، لمات الورع ، ولولا أحمد لأحدثوا في الدين ، أحمد إمام الدنيا . قلت : قد روى أحمد في " مسنده " عن قتيبة كثيرا . وقيل لأبي مُسهر الغساني : تعرف من يحفظ على الأمة أمر دينها ؟
قال : شاب في ناحية المشرق ، يعني : أحمد .
قال المُزَني : قال لي الشافعي : رأيت ببغداد شابا إذا قال : حدثنا ، قال الناس كلهم : صدق . قلت : ومن هو ؟ قال : أحمد بن حنبل .
وقال حرملة : سمعت الشافعي يقول : خرجت من بغداد فما خلفت بها رجلا أفضل ، ولا أعلم ، ولا أفقه ، ولا أتقى من أحمد بن حنبل .
وقال الزعفراني : قال لي الشافعي : ما رأيت أعقل من أحمد ، وسليمان بن داود الهاشمي .
قال محمد بن إسحاق بن راهويه : حدثني أبي ، قال : قال لي أحمد بن حنبل : تعال حتى أريك من لم يُرَ مثله ، فذهب بي إلى الشافعي ، قال أبي : وما رأى الشافعي مثل أحمد بن حنبل . ولولا أحمد وبَذْلُ نفسه ، لذهب الإسلام - يريد المحنة .
ورُوِي عن إسحاق بن راهويه ، قال : أحمد حجة بين الله وبين خلقه .
وقال محمد بن عبدويه : سمعت علي بن المديني ، يقول : أحمد أفضل عندي من سعيد بن جبير في زمانه؛ لأن سعيدا كان له نظراء . وعن ابن المديني ، قال : أعز الله الدين بالصديق يوم الردة ، وبأحمد يوم المحنة .
وقال أبو عبيد : انتهى العلم إلى أربعة : أحمد بن حنبل وهو أفقههم ، وذكر الحكاية .
وقال أبو عبيد : إني لأتدين بذكر أحمد . ما رأيت رجلا أعلم بالسنة منه.
وقال الحسن بن الربيع : ما شبهت أحمد بن حنبل إلا بابن المبارك في سمته وهيئته .
الطبراني : حدثنا محمد بن الحسين الأنماطي ، قال : كنا في مجلس فيه يحيى بن معين ، وأبو خيثمة ، فجعلوا يثنون على أحمد بن حنبل ، فقال رجل : فبعض هذا ، فقال يحيى : وكثرة الثناء على أحمد تستنكر ! لو جلسنا مجالسنا بالثناء عليه ، ما ذكرنا فضائله بكمالها . وروى عباس ، عن ابن معين قال : ما رأيت مثل أحمد .
وقال النُّفيلي : كان أحمد بن حنبل من أعلام الدين .
وقال المروذي : حضرت أبا ثور سئل عن مسألة ، فقال : قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل شيخنا وإمامنا فيها كذا وكذا .
وقال ابن معين : ما رأيت من يحدث لله إلا ثلاثة : يعلى بن عبيد ، والقعنبي وأحمد بن حنبل .
وقال ابن معين : أرادوا أن أكون مثل أحمد ، والله لا أكون مثله أبدا .
وقال أبو خيثمة : ما رأيت مثل أحمد ، ولا أشد منه قلبا .
وقال علي بن خشرم : سمعت بشر بن الحارث ، يقول : أنا أُسأل عن أحمد بن حنبل ؟ ! إن أحمد أُدخل الكير ، فخرج ذهبا أحمر .
وقال عبد الله بن أحمد : قال أصحاب بشر الحافي له حين ضرب أبي : لو أنك خرجت فقلت : إني على قول أحمد ، فقال : أتريدون أن أقوم مقام الأنبياء ؟!.
القاسم بن محمد الصائغ : سمعت المروذي ، يقول : دخلت على ذي النون السجن ، ونحن بالعسكر ، فقال : أي شيء حال سيدنا ؟ يعني : أحمد بن حنبل .
وقال محمد بن حماد الظهراني : سمعت أبا ثور الفقيه ، يقول : أحمد بن حنبل أعلم أو أفقه من الثوري .
وقال نصر بن علي الجهضمي : أحمد أفضل أهل زمانه .
قال صالح بن علي الحلبي : سمعت أبا همام السكوني يقول : ما رأيت مثل أحمد بن حنبل ، ولا رأى هو مثله . وعن حجاج بن الشاعر ، قال : ما رأيت أفضل من أحمد ، وما كنت أحب أن أُقتل في سبيل الله ، ولم أُصَلِّ على أحمد ، بلغ والله في الإمامة أكبر من مبلغ سفيان ومالك .
وقال عمرو الناقد : إذا وافقني أحمد بن حنبل على حديث لا أُبالي من خالفني .
قال ابن أبي حاتم : سألت أبي عن علي بن المديني وأحمد بن حنبل ، أيهما أحفظ ؟ فقال : كانا في الحفظ متقاربين ، وكان أحمد أفقه ، إذا رأيت من يحب أحمد ، فاعلم أنه صاحب سنة .
وقال أبو زرعة : أحمد بن حنبل أكبر من إسحاق وأفقه ، ما رأيت أحدا أكمل من أحمد .
وقال محمد بن يحيى الذُّهْلي : جعلت أحمد إماما فيما بيني وبين الله .
وقال محمد بن مهران الجمال : ما بقي غير أحمد .
قال إمام الأئمة ابن خزيمة : سمعت محمد بن سحتويه ، سمعت أبا عمير بن النحاس الرملي ، وذكر أحمد بن حنبل ، فقال : رحمه الله ، عن الدنيا ما كان أصبره ، وبالماضين ما كان أشبهه ، وبالصالحين ما كان ألحقه ، عرضت له الدنيا فأباها ، والبدع فنفاها .
قال أبو حاتم : كان أبو عمير من عباد المسلمين . قال لي : أمِلَّ عليّ شيئا عن أحمد بن حنبل . وروي عن أبي عبد الله البوشنجي : قال : ما رأيت أجمع في كل شيء من أحمد بن حنبل ، ولا أعقل منه .
وقال ابن وارة : كان أحمد صاحب فقه ، صاحب حفظ ، صاحب معرفة.
وقال النسائي : جمع أحمد بن حنبل المعرفة بالحديث والفقه والورع والزهد والصبر . وعن عبد الوهاب الوراق : قال : لما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : فردوه إلى عالمه رددناه إلى أحمد بن حنبل ، وكان أعلم أهل زمانه .
وقال أبو داود : كانت مجالس أحمد مجالس الآخرة ، لا يذكر فيها شيء من أمر الدنيا ، ما رأيته ذكر الدنيا قط .
قال صالح بن محمد جزرة : أفقه من أدركت في الحديث أحمد بن حنبل .
قال علي بن خلف : سمعت الحميدي ، يقول : ما دمت بالحجاز ، وأحمد بالعراق ، وابن راهويه بخراسان لا يغلبنا أحد . الخلال : حدثنا محمد بن ياسين البلدي ، سمعت ابن أبي أويس ، وقيل له ذهب أصحاب الحديث ، فقال : ما أبقى الله أحمد بن حنبل ، فلم يذهب أصحاب الحديث .
وعن ابن المديني ، قال : أمرني سيدي أحمد بن حنبل أن لا أحدث إلا من كتاب . الحسين بن الحسن أبو معين الرازي : سمعت ابن المديني ، يقول : ليس في أصحابنا أحفظ من أحمد ، وبلغني أنه لا يحدث إلا من كتاب ، ولنا فيه أسوة . وعنه قال : أحمد اليوم حجة الله على خلقه .
أخبرنا عمر بن عبد المنعم ، عن أبي اليُمن الكندي ، أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم ، أخبرنا أبو إسماعيل الأنصاري ، أخبرنا أبو يعقوب القرّاب ، أخبرنا محمد بن عبد الله الجوزقي ، سمعت أبا حامد الشرقي ، سمعت أحمد بن سلمة ، سمعت أحمد بن عاصم ، سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام ، يقول : انتهى العلم إلى أربعة : أحمد بن حنبل وهو أفقههم فيه ، وإلى ابن أبي شيبة وهو أحفظهم له ، وإلى علي بن المديني وهو أعلمهم به ، وإلى يحيى بن معين وهو أكتبهم له .
إسحاق المنجنيقي : حدثنا القاسم بن محمد المؤدب ، عن محمد بن أبي بشر ، قال : أتيت أحمد بن حنبل في مسألة ، فقال : ائتِ أبا عبيد؛ فإن له بيانا لا تسمعه من غيره . فأتيته فشفاني جوابه . فأخبرته بقول أحمد ، فقال : ذاك رجل من عمال الله ، نشر الله رداء عمله ، وذخر له عنده الزلفى ، أما تراه محببا مألوفا . ما رأت عيني بالعراق رجلا اجتمعت فيه خصال هي فيه ، فبارك الله له فيما أعطاه من الحلم والعلم والفهم ، فإنه لكما قيل : يـزينك إمـا غـاب عنـك فـإن دنـا
رأيــت لــه وجهــا يسـرك مقـبلا يعلـم هـذا الخلق مـا شــذ عنهـم
مـن الأدب المجـهول كهفــا ومعقــلا ويحســن فــي ذات الإلــه إذا رأى
مَضيمـا لأهــل الحـق لا يسـأم البَـلا وإخـوانـه الأدنَــوْن كـل مـوفـق
بصـير بأمـر الله يسمـو علـى العُــلا وبإسنادي إلى أبي إسماعيل الأنصاري : أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم ، أخبرنا نصر بن أبي نصر الطوسي ، سمعت علي بن أحمد بن خُشَيش ، سمعت أبا الحديد الصوفي بمصر ، عن أبيه ، عن المزني ، يقول : أحمد بن حنبل يوم المحنة ، أبو بكر يوم الردة ، وعمر يوم السقيفة ، وعثمان يوم الدار ، وعلي يوم صِفين .
قال أحمد بن محمد الرُّشْدِيني : سمعت أحمد بن صالح المصري ، يقول : ما رأيت بالعراق مثل هذين : أحمد بن حنبل ، ومحمد بن عبد الله بن نمير ، رجلين جامعين لم أر مثلهما بالعراق . وروى أحمد بن سلمة النيسابوري ، عن ابن وارة ، قال : أحمد بن حنبل ببغداد ، وأحمد بن صالح بمصر ، وأبو جعفر النفيلي بحران ، وابن نمير بالكوفة ، هؤلاء أركان الدين .
وقال علي بن الجنيد الرازي : سمعت أبا جعفر النفيلي ، يقول : كان أحمد بن حنبل من أعلام الدين .
وعن محمد بن مصعب العابد ، قال : لسوطٌ ضُرِبَه أحمد بن حنبل في الله أكبر من أيام بشر بن الحارث .
قلت : بشر عظيم القدر كأحمد ، ولا ندري وزن الأعمال ، إنما الله يعلم ذلك .
قال أبو عبد الرحمن النهاوَندي : سمعت يعقوب الفسوي ، يقول : كتبت عن ألف شيخ ، حجتي فيما بيني وبين الله رجلان : أحمد بن حنبل ، وأحمد بن صالح . وبالإسناد إلى الأنصارى شيخ الإسلام : أخبرنا أبو يعقوب ، أخبرنا منصور بن عبد الله الذهلي ، حدثنا محمد بن الحسن بن علي البخاري ، سمعت محمد بن إبراهيم البوشنجي ، وذكر أحمد بن حنبل ، فقال : هو عندي أفضل وأفقه من سفيان الثوري ، وذلك أن سفيان لم يُمتَحَن بمثل ما امتحن به أحمد ، ولا علم سفيان ومن يقدم من فقهاء الأمصار كعلم أحمد بن حنبل ؛ لأنه كان أجمع لها ، وأبصر بأغاليطهم وصَدُوقهم وكذوبهم . قال : ولقد بلغني عن بشر بن الحارث أنه قال : قام أحمد مقام الأنبياء . وأحمد عندنا امتحن بالسراء والضراء ، فكان فيهما معتصما بالله .
قال أبو يحيى الناقد : كنا عند إبراهيم بن عرعرة ، فذكروا يعلى بن عاصم ، فقال رجل : أحمد بن حنبل يضعفه . فقال رجل : وما يضره إذا كان ثقة ؟ فقال ابن عرعرة : والله لو تكلم أحمد في علقمة والأسود لضرهما .
وقال الحنيني : سمعت إسماعيل بن الخليل ، يقول : لو كان أحمد بن حنبل في بني إسرائيل لكان آية .
وعن علي بن شعيب ، قال : عندنا المثل الكائن في بني إسرائيل ، من أن أحدهم كان يُوضَع المنشار على مفرق رأسه ، ما يصرفه ذلك عن دينه . ولولا أن أحمد قام بهذا الشأن ، لكان عارا علينا أن قوما سبكوا ، فلم يخرج منهم أحد .
قال ابن سلم : سمعت محمد بن نصر المروزي ، يقول : صرت إلى دار أحمد بن حنبل مرارا ، وسألته عن مسائل ، فقيل له : أكان أكثر حديثا أم إسحاق ؟ قال : بل أحمد أكثر حديثا وأورع . أحمد فاق أهل زمانه . قلت : كان أحمد عظيم الشأن ، رأسا في الحديث ، وفي الفقه ، في التَّألُّه . أثنى عليه خلق من خصومه ، فما الظن بإخوانه وأقرانه ؟ ! ! وكان مهيبا في ذات الله . حتى لقال أبو عبيد : ما هِبتُ أحدا في مسألة ، ما هبت أحمد بن حنبل .
وقال إبراهيم الحربي : عالم وقته سعيد بن المسيب في زمانه ، وسفيان الثوري في زمانه ، وأحمد بن حنبل في زمانه .
قرأت على إسحاق الأسدي : أخبركم ابن خليل ، أخبرنا اللبان ، عن أبي علي الحداد ، أخبرنا أبو نعيم ، أخبرنا أبو بكر بن مالك ، حدثنا محمد بن يونس ، حدثني سليمان الشاذكوني ، قال : يشبه علي بن المديني بأحمد بن حنبل ؟ أيهات !! ما أشبه السُّك باللُّك لقد حضرت من ورعه شيئا بمكة: أنه أرهن سطلا عند فامِيّ فأخذ منه شيئا ليقوته . فجاء ، فأعطاه فكاكه ، فأخرج إليه سطلين ، فقال : انظر أيهما سطلك ؟ فقال : لا أدري أنت في حل منه ، وما أعطيك ، ولم يأخذه . قال الفامي : والله إنه لسطله ، وإنما أردت أن أمتحنه فيه .
وبه إلى أبي نعيم : حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا الأبار : سمعت محمد بن يحيى النيسابوري ، حين بلغه وفاة أحمد ، يقول : ينبغي لكل أهل دار ببغداد أن يقيموا عليه النياحة في دورهم .
قلت : تكلم الذهلي بمقتضى الحزن لا بمقتضى الشرع .
قال أحمد بن القاسم المقرئ : سمعت الحسين الكرابيسي ، يقول : مثل الذين يذكرون أحمد بن حنبل مثل قوم يجيئون إلى أبي قُبَيْس يريدون أن يهدموه بنعالهم .
الطبراني : حدثنا إدريس بن عبد الكريم المقرئ ، قال : رأيت علماءنا مثل الهيثم بن خارجة ، ومصعب الزبيري ، ويحيى بن معين ، وأبي بكر بن أبي شيبة ، وأخيه ، وعبد الأعلى بن حماد ، وابن أبي الشوارب وعلي بن المديني ، والقواريري ، وأبي خيثمة ; وأبي معمر ، والوركاني وأحمد بن محمد بن أيوب ، ومحمد بن بكار ، وعمرو الناقد ، ويحيى بن أيوب المقابري ، وسريج بن يونس ، وخلف بن هشام ، وأبي الربيع الزهراني ، فيمن لا أحصيهم ، يعظمون أحمد ويجلونه ويوقرونه ويبجلونه ويقصدونه للسلام عليه .
قال أبو علي بن شاذان : قال لي محمد بن عبد الله الشافعي : لما مات سعيد بن أحمد بن حنبل ، جاء إبراهيم الحربي إلى عبد الله بن أحمد ، فقام إليه عبد الله ، فقال : تقوم إليّ قال : والله لو رآك أبي ، لقام إليك ، فقال إبراهيم : والله لو رأى ابن عيينة أباك ، لقام إليه .
قال محمد بن أيوب العُكبَرِي : سمعت إبراهيم الحربي ، يقول : التابعون كلهم ، وآخرهم أحمد بن حنبل -وهو عندي أجلهم- يقولون : من حلف بالطلاق أن لا يفعل شيئا ثم فعله ناسيا ، كلهم يلزمونه الطلاق .
وعن الأثرم قال : ناظرت رجلا ، فقال : من قال بهذه المسألة ؟ قلت : من ليس في شرق ولا غرب مثله ، قال : من ؟ قلت : أحمد بن حنبل .
وقد أثنى على أبي عبد الله جماعة من أولياء الله ، وتبرَّكوا به . روى ذلك أبو الفرج ابن الجوزي ، وشيخ الإسلام ، ولم يصح سند بعض ذلك .
أخبرنا إسماعيل بن عميرة ، أخبرنا ابن قدامة ، أخبرنا أبو طالب بن خضير ، أخبرنا أبو طالب اليوسفي ، أخبرنا أبو إسحاق البرمكي ، أخبرنا علي بن عبد العزيز ، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم ، حدثنا أبو زرعة ، وقيل له . اختيار أحمد وإسحاق أحب إليك أم قول الشافعي ؟ قال : بل اختيار أحمد فإسحاق. ما أعلم في أصحابنا أسود الرأس أفقه من أحمد بن حنبل ، وما رأيت أحدا أجمع منه .
في فضله وتألهه وشمائله :
وبه قال ابن أبي حاتم : حدثنا صالح بن أحمد ، قال دخلت على أبي يوما أيام الواثق -والله يعلم على أي حال نحن- وقد خرج لصلاة العصر ، وكان له لِبْدٌ يجلس عليه ، قد أتى عليه سنون كثيرة حتى بلي ، وإذا تحته كتاب كاغد فيه : بلغني يا أبا عبد الله ما أنت فيه من الضيق ، وما عليك من الدين ، وقد وجهت إليك بأربعة آلاف درهم على يدي فلان ، وما هي من صدقة ولا زكاة ، وإنما هو شيء ورثته من أبي . فقرأت الكتاب ، ووضعته .
فلما دخل ، قلت : يا أبة ، ما هذا الكتاب ؟ فاحمرَّ وجهه ، وقال : رفعته منك . ثم قال : تذهب لجوابه ؟ فكتب إلى الرجل : وصل كتابك إليّ ، ونحن في عافية . فأما الدين ، فإنه لرجل لا يرهقنا ، وأما عيالنا ، ففي نعمة الله . فذهبت بالكتاب إلى الرجل الذي كان أوصل كتاب الرجل ، فلما كان بعد حين ، ورد كتاب الرجل مثل ذلك ، فرد عليه بمثل ما رد . فلما مضت سنة أو نحوها ، ذكرناها ، فقال : لو كنا قبلناها ، كانت قد ذهبت .
وشهدت ابن الجروي ، وقد جاء بعد المغرب ، فقال لأبي : أنا رجل مشهور ، وقد أتيتك في هذا الوقت ، وعندي شيء قد اعتددته لك ، وهو ميراث ، فأحب أن تقبله . فلم يزل به . فلما أكثر عليه ، قام ودخل . قال صالح : فأخبرت عن ابن الجروي أنه قال : قلت له : يا أبا عبد الله ، هي ثلاثة آلاف دينار . فقام وتركني .
قال صالح : ووجه رجل من الصين بكاغد صيني إلى جماعة من المحدثين ، ووجه بقِمَطْر إلى أبي ، فردَّه ، وولد لي مولود فأهدى صديق لي شيئا . ثم أتى على ذلك أشهر ، وأراد الخروج إلى البصرة ، فقال لي : تكلم أبا عبد الله يكتب لي إلى المشايخ بالبصرة ، فكلمته فقال : لولا أنه أهدى إليك ، كنت أكتب له .
وبه قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان ، قال : بلغني أن أحمد بن حنبل رهن نعله عند خباز باليمن ، وأكرى نفسه من جمالين عند خروجه ، وعرض عليه عبد الرزاق دراهم صالحة ، فلم يقبلها .
وبعث ابن طاهر حين مات أحمد بأكفان وحنوط ، فأبى صالح أن يقبله ، وقال : إن أبي قد أعد كفنه وحنوطه ، ورده ، فراجعه ، فقال : إن أمير المؤمنين أعفى أبا عبد الله مما يكره ، وهذا مما يكره ، فلست أقبله .
وبه : حدثنا صالح ، قال : قال أبي : جاءني يحيى بن يحيى -قال أبي : وما أخرجت خراسان بعد ابن المبارك رجلا يشبه يحيى بن يحيى- فجاءني ابنه ، فقال : إن أبي أوصى بمبطنة له لك ، وقال : يذكرني بها .
فقلت : جيء بها . فجاء برزمة ثياب ، فقلت له : اذهب رحمك الله ، يعني : ولم يقبلها .
قلت : وقيل : إنه أخذ منها ثوبا واحدا .
وبه قال : حدثنا صالح قال : قلت لأبي : أن أحمد الدورقي أُعطي ألف دينار . فقال : يا بني ، وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى .
وبه : حدثنا أبي ، حدثنا أحمد بن أبي الحواري ، حدثني عبيد القاري ، قال : دخل على أحمد عمه ، فقال : يا ابن أخي ، أيش هذا الغم ؟ وأيش هذا الحزن ؟ فرفع رأسه ، وقال : يا عم ، طُوبى لمن أخمل الله ذكره .
وبه : سمعت أبي يقول : كان أحمد إذا رأيته ، تعلم أنه لا يظهر النسك ، رأيت عليه نعلا لا يشبه نعال القراء ، له رأس كبير معقد ، وشراكه مسبل ، ورأيت عليه إزارا وجبة برد مخططة . أي : لم يكن بزيّ القُراء .
وبه : حدثنا صالح : قال لي أبي : جاءني أمس رجل كنت أحب أن تراه ، يبنا أنا قاعد ، في نحر الظهيرة ، إذا برجل سلم بالباب ، فكأن قلبي ارتاح ، ففتحت ، فإذا أنا برجل عليه فروة ، وعلى رأسه خرقة ، ما تحت فروِهِ قميص ، ولا معه ركوة ولا جراب ولا عكاز ، قد لوَّحته الشمس . فقلت : ادخل ، فدخل الدهليز ، فقلت : من أين أقبلت ؟ قال : من ناحية المشرق أريد الساحل ، ولولا مكانك ما دخلت هذا البلد ، نويت السلام عليك .
قلت : على هذه الحال ؟ قال : نعم . ما الزهد في الدنيا ؟ قلت : قصر الأمل ، قال : فجعلت أعجب منه ، فقلت في نفسي . ما عندي ذهب ولا فضة . فدخلت البيت ، فأخذت أربعة أرغفة ، فخرجت إليه ، فقال : أوَيَسُرُّك أن أقبل ذلك يا أبا عبد الله ؟ قلت : نعم . فأخذها ، فوضعها تحت حضنه ، وقال : أرجوأن تكفيني إلى الرَّقة . أستودعك الله . فكان يذكره كثيرا .
وبه : كتب إليَّ عبد الله بن أحمد ، سمعت أبي ، وذكر الدنيا ، فقال : قليلها يجزئ ، وكثيرها لا يجزئ ، وقال أبي : وقد ذكر عنده الفقر فقال : الفقر مع الخير .
وبه حدثنا صالح ، قال : أمسك أبي عن مكاتبة ابن راهويه ، لما أدخل كتابه إلى عبد الله بن طاهر وقرأه .
وبه قال : ذكر عبد الله بن أبي عمر البكري ، سمعت عبد الملك بن عبد الحميد الميموني ، قال : ما أعلم أني رأيت أحدا أنظف بدنا ، ولا أشد تعاهدا لنفسه في شاربه وشعر رأسه وشعر بدنه ، ولا أنقى ثوبا بشدة بياض ، من أحمد بن حنبل رضي الله عنه.
كان ثيابه بين الثوبين ، تسوى ملحفته خمسة عشر درهما ، وكان ثوب قميصه يؤخذ بالدينار ونحوه ، لم يكن له دقة تُنكر ، ولا غِلظ ينكر ، وكان مَلحفته مهذبة .
وبه حدثنا ، صالح ، قال : ربما رأيت أبي يأخذ الكسر ، ينفض الغبار عنها ، ويُصَيِّرها في قصعة ، ويصب عليها ماء ثم يأكلها بالملح . وما رأيته اشترى رمانا ولا سفرجلا ولا شيئا من الفاكهة ، إلا أن تكون بطيخة فيأكلها خبز وعنبا وتمرا .
وقال لي : كانت والدتك في الظلام تغزل غزلا دقيقا ، فتبيع الأستار بدرهمين أقل أو أكثر ، فكان ذلك قوتنا ، وكنا إذا اشترينا الشيء ، نستره عنه كيلا يراه ، فيوبخنا ، وكان ربما خُبِزَ له ، فيجعل في فَخَّارة عدسا وشحما وتمرات شهريز فيجيء الصبيان ، فيصوِّت ببعضهم ، فيدفعه إليهم ، فيضحكون ولا يأكلون. وكان يأتدم بالخل كثيرا .
قال: وقال أبي: إذا لم يكن عندي قطعة ، أفرح .
وكان إذا توضأ لا يدع من يستقي له ، وربما اعتللت فيأخذ قدحا فيه ماء ، فيقرأ فيه ، ثم يقول : اشرب منه ، واغسل وجهك ويديك .
وكانت له قلنسوة خاطها بيده ، فيها قطن ، فإذا قام بالليل لبسها .
وكان ربما أخذ القدوم ، وخرج إلى دار السكان ، يعمل الشيء بيده .
واعتل فتعالج .
وكان ربما خرج إلى البقال ، فيشتري الجُرْزَة الحطب والشيء ، فيحمله بيده .
وكان يتَنوَّر في البيت . فقال لي في يوم شتوي : أريد أدخل الحمام بعد المغرب ، فقل لصاحب الحمام . ثم بعث إليَّ : إني قد أضربت عن الدخول . وتنوَّر في البيت .
وكنت أسمعه كثيرا يقول : اللهم سلِّم سلِّم .
وبه حدثنا أحمد بن سنان ، قال : بُعث إلى أحمد بن حنبل حيث كان عندنا أيام يزيد جوز ونبق كثير فقبل ، وقال لي : كل هذا .
قال عبد الله بن أحمد : حدثنا أبي ، وذُكر عنده الشافعي -رحمه الله- فقال : ما استفاد منا أكثر مما استفدنا منه . ثم قال عبد الله : كل شيء في كتاب الشافعي حدثنا الثقة فهو عن أبي .
الخلال : حدثنا المروذي ، قال : قدم رجل من الزهاد ، فأدخلته على أحمد ، وعليه فروٌ خَلَقٌ ، وخُرَيْقة على رأسه وهو حاف في برد شديد ، فسلم ، وقال : يا أبا عبد الله ، قد جئت من موضع بعيد ، وما أردت إلا السلام عليك ، وأريد عَبَّادان ، وأريد إن أنا رجعت ، أسلِّم عليك . فقال : إن قدر . فقام الرجل وسلم ، وأبو عبد الله قاعد ، فما رأيت أحدا قام من عند أبي عبد الله ، حتى يقوم هو إلا هذا الرجل . فقال لي أبو عبد الله : ما ترى ما أشبهه بالأبدال ، أو قال : إني لأذكر به الأبدال . وأخرج إليه أبو عبد الله أربعة أرغفة مشطورة بكامَخ وقال : لو كان عندنا شيء ، لَوَاسَيْنَاك .
وأخبرنا المروذي : قلت لأبي عبد الله : ما أكثر الداعي لك ! قال : أخاف أن يكون هذا استدراجا بأي شيء هذا ؟ وقلت له : قدم رجل من طرسوس ، فقال : كنا في بلاد الروم في الغزو إذا هدأ الليل ، رفعوا أصواتهم بالدعاء ، ادعوا لأبي عبد الله ، وكنا نمد المنجنيق ، ونرمي عن أبي عبد الله . ولقد رمي عنه بحجر ، والعِلج على الحصن متترس بدَرَقَة فذهب برأسه وبالدَّرَقة . قال : فتغير وجه أبي عبد الله ، وقال : ليته لا يكون استدراجا . قلت : كلا .
وعن رجل قال : عندنا بخراسان يظنون أن أحمد لا يشبه البشر ، يظنون أنه من الملائكة .
وقال آخر : نظرة عندنا من أحمد تعدل عبادة سنة .
قلت : هذا غلوٌ لا ينبغي؛ لكن الباعث له حب ولي الله في الله .
قال المروذي : رأيت طبيبا نصرانيا خرج من عند أحمد ومعه راهب ، فقال : إنه سألني أن يجيء معي ليرى أبا عبد الله .
وأدخلت نصرانيا على أبي عبد الله ، فقال له : إني لأشتهي أن أراك منذ سنين . ما بقاؤك صلاح للإسلام وحدهم ، بل للخلق جميعا ، وليس من أصحابنا أحد إلا وقد رضي بك . فقلت لأبي عبد الله : إني لأرجو أن يكون يُدعى لك في جميع الأمصار . فقال : يا أبا بكر إذا عرف الرجل نفسه ، فما ينفعه كلام الناس .
قال عبد الله بن أحمد : خرج أبي إلى طرسوس ماشيا ، وحج حجتين أو ثلاثا ماشيا ، وكان أصبر الناس على الوحدة ، وبِشْرٌ لم يكن يصبر على الوحدة . كان يخرج إلى ذا وإلى ذا .
قال عباس الدوري : حدثنا علي بن أبي فزارة جارنا ، قال : كانت أمي مقعدة من نحو عشرين سنة . فقالت لي يوما : اذهب إلى أحمد بن حنبل ، فسله أن يدعو لي ، فأتيت ، فدققت عليه وهو في دهليزه ، فقال : من هذا ؟ قلت : رجل سألتني أمي وهي مُقعدة أن أسألك الدعاء . فسمعت كلامه كلام رجل مغضب . فقال : نحن أحوج أن تدعو الله لنا ، فوليت منصرفا . فخرجت عجوز ، فقالت : قد تركته يدعو لها . فجئت إلى بيتنا
ودققت الباب ، فخرجت أمي على رجليها تمشي .
هذه الواقعة نقلها ثقتان عن عباس .
قال عبد الله بن أحمد : كان أبي يصلي في كل يوم وليلة ثلاث مائة ركعة . فلما مرض من تلك الأسواط ، أضعفته ، فكان يصلي كل يوم وليلة مائة وخمسين ركعة .
وعن أبي إسماعيل الترمذي : قال : جاء رجل بعشرة آلاف من ربح تجارته إلى أحمد فردها . وقيل : إن صيرفيا بذل لأحمد خمس مائة دينار ، فلم يقبل .
ومن آدابه :
قال عبد الله بن أحمد : رأيت أبي يأخذ شعرة من شعر النبي -صلى الله عليه وسلم- فيضعها على فيه يُقَبِّلها . وأحسب أني رأيته يضعها على عينه ، ويغمسها في الماء ويشربه يستشفي به .
ورأيته أخذ قصعة النبي -صلى الله عليه وسلم- فغسلها في حُبّ الماء ، ثم شرب فيها ورأيته يشرب من ماء زمزم يستشفي به ، ويمسح به يديه ووجهه .
قلت : أين المتنطع المنكر على أحمد ، وقد ثبت أن عبد الله سأل أباه عمن يلمس رمانة منبر النبي -صلى الله عليه وسلم- ويمس الحجرة النبوية ، فقال : لا أرى بذلك بأسا . أعاذنا الله وإياكم من رأي الخوارج ومن البدع .
قال أحمد بن سعيد الدارمي : كتب إليَّ أحمد بن حنبل : لأبي جعفر -أكرمه الله- من أحمد بن حنبل .
قال عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري : حدثنا أبي ، قال : مضى عمي أحمد بن سعد إلى أحمد بن حنبل ، فسلم عليه . فلما رآه ، وثب قائما وأكرمه .
وقال المروذي : قال لي أحمد : ما كتبت حديثا إلا وقد عملت به ، حتى مر بي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- احتجم وأعطى أبا طيبة دينارا فأعطيت الحجام دينارا حين احتجمت .
وعن المروذي : كان أبو عبد الله لا يدخل الحمام ، ويتنور في البيت ، وأصلحت له غير مرة النُّورة ، واشتريت له جلدا ليده يدخل يده فيه ، ويتنور .
وقال حنبل : رأيت أبا عبد الله إذا أراد القيام ، قال لجلسائه : إذا شئتم .
وقال المروذي : رأيت أبا عبد الله قد ألقى لختان درهمين في الطست .
وقال عبد الله : ما رأيت أبي حدث من غير كتاب إلا بأقل من مائة حديث . وسمعت أبي يقول : قال الشافعي : يا أبا عبد الله : إذا صح عندكم الحديث ، فأخبرونا حتى نرجع إليه أنتم أعلم بالأخبار الصحاح منا ، فإذا كان خبر صحيح ، فأعلمني حتى أذهب اليه ، كوفيا كان أو بصريا أو شاميا . قلت : لم يحتج إلى أن يقول حجازيا ، فإنه كان بصيرا بحديث
الحجاز ، ولا قال مصريا ، فإن غيرهما كان أقعد بحديث مصر منهما.
الطبراني : حدثنا موسى بن هارون : سمعت ابن راهويه ، يقول : لما خرج أحمد إلى عبد الرزاق ، انقطعت به النفقة ، فأكرى نفسه من بعض الجمالين إلى أن وافى صنعاء ، وعرض عليه أصحابه المواساة فلم يأخذ .
قال عبد الله بن أحمد : حدثني إسماعيل بن أبي الحارث ، قال : مر بنا أحمد ، فقلنا لإنسان : اتبعه ، وانظر أين يذهب . فقال : جاء إلى حنك المروزي فما كان إلا ساعة حتى خرج . فقلت لحنَّك بَعْدُ : جاءك أبو عبد الله ؟ قال : هو صديق لي ، واستقرض مني مائتي درهم ، فجاءني بها ، فقلت : ما نويت أخذها ، فقال : وأنا ما نويت إلا أن أردها إليك .
أبو نعيم : حدثنا الطبراني ، حدثنا محمد بن موسى البربري ، قال : حمل إلى الحسن الجروي ميراثه من مصر مائة ألف دينار ، فأتى أحمد بثلاثة آلاف دينار ، فما قبلها .
أبو نعيم : حدثنا الحسين بن محمد ، حدثنا شاكر بن جعفر ، سمعت أحمد بن محمد التستري ، يقول : ذكروا أن أحمد بن حنبل أتى عليه ثلاثة أيام ما طعم فيها ، فبعث إلى صديق له ، فاقترض منه دقيقا ، فجهزوه بسرعة ، فقال : كيف ذا ؟ قالوا : تنور صالح مُسْجَر ، فخبزنا فيه ، فقال : ارفعوا ، وأمر بسدِّ باب بينه وبين صالح .
قلت : لكونه أخذ جائزة المتوكل .
قال يحيى بن معين : ما رأيت مثل أحمد ، صحبناه خمسين سنة ما افتخر علينا بشيء مما كان فيه من الخير .
قال عبد الله بن أحمد : كان أبي يقرأ كل يوم سبعا ، وكان ينام نومة
خفيفة بعد العشاء ، ثم يقوم إلى الصباح يصلي ويدعو .
وقال صالح : كان أبي إذا دعا له رجل ، قال : ليس يحرز الرجل المؤمن إلا حفرته ، الأعمال بخواتيمها وقال أبي في مرضه : أخرج كتاب عبد الله بن إدريس ، فقال : اقرأ علي حديث ليث : إن طاوسا كان يكره الأنين في المرض . فما سمعت لأبي أنينا حتى مات . وسمعه ابنه عبد الله يقول : تمنيت الموت ، وهذا أمر أشد علي من ذلك ، ذاك فتنة الضرب والحبس ، كنت أحمله ، وهذه فتنة الدنيا .
قال أحمد الدورقي : لما قدم أحمد بن حنبل من عند عبد الرزاق ، رأيت به شحوبا بمكة . وقد تبين عليه النصب والتعب ، فكلمته ، فقال : هين فيما استفدنا من عبد الرزاق .
قال عبد الله : قال أبي : ما كتبنا عن عبد الرزاق من حفظه إلا المجلس الأول ، وذلك أنا دخلنا بالليل ، فأملى علينا سبعين حديثا . وقد جالس معمرا تسع سنين . وكان يكتب عنه كل ما يقول.
قال عبد الله : من سمع من عبد الرزاق بعد المائتين ، فسماعه ضعيف .
قال موسى بن هارون : سئل أحمد : أين نطلب البدلاء ؟ فسكت ثم قال : إن لم يكن من أصحاب الحديث فلا أدري .
قال المروذي : كان أبو عبد الله إذا ذكر الموت ، خنقته العبرة . وكان يقول : الخوف يمنعني أكل الطعام والشراب ، وإذا ذكرت الموت ، هان علي كل أمر الدنيا . إنما هو طعام دون طعام ، ولباس دون لباس . وإنها أيام قلائل . ما أعدل بالفقر شيئا . ولو وجدت السبيل لخرجت حتى لا يكون لي ذكر .
وقال : أريد أن أكون في شعب بمكة حتى لا أعرف ، قد بُليت بالشهرة ، إني أتمنى الموت صباحا ومساء .
قال المروذي : وذكر لأحمد أن رجلا يريد لقاءه ، فقال : أليس قد كره بعضهم اللقاء يتزين لي وأتزين له . وقال : لقد استرحت ، ما جاءني الفرج إلا منذ حلفت أن لا أحدث ، وليتنا نترك ، الطريق ما كان عليه بشر بن الحارث . فقلت له : إن فلانا ، قال : لم يزهد أبو عبد الله في الدراهم وحدها ، قال : زهد في الناس . فقال : ومن أنا حتى أزهد في الناس ؟ الناس يريدون أن يزهدوا في .
وسمعته يكره للرجل النوم بعد العصر ، يخاف على عقله .
وقال : لا يفلح من تعاطى الكلام ، ولا يخلو من أن يتجهم وسئل عن القراءة بالألحان ، فقال : هذه بدعة لا تسمع .
ومن سيرته :
قال الخلال : قلت لزهير بن صالح : هل رأيت جدك ؟ قال : نعم .
مات وأنا في عشر سنين ، كنا ندخل إليه في كل يوم جمعة أنا وأخواني ، وكان بيننا وبينه باب ، وكان يكتب لكل واحد منا حبتين حبتين من فضة في رقعة إلى فامي يعامله . وربما مررت به وهو قاعد في الشمس ، وظهره مكشوف فيه أثر الضرب بين ، وكان لي أخ أصغر مني اسمه علي ، فأراد أبي أن يختنه ، فاتخذ له طعاما كثيرا ، ودعا قوما ، فوجه إليه جدي : بلغني ما أحدثته لهذا ، وأنك أسرفت ، فابدأ بالفقراء والضعفاء . فلما أن كان من الغد ، حضر الحجام ، وحضر أهلنا ، جاء جدي حتى جلس عند الصبي ، وأخرج صريرة ، فدفعها إلى الحجام ، وقام فنظر الحجام في الصريرة ، فإذا درهم واحد . وكنا قد رفعنا كثيرا من الفرش ، وكان الصبي على مصطبة مرتفعة من الثياب الملونة ، فلم ينكر ذلك .
وقدم علينا من خراسان ابن خالة جدي ، فنزل على أبي ، فدخلت معه إلى جدي ، فجاءت الجارية بطبق خلاف ، وعليه خبز وبقل وملح ، وبغضارة ، فوضعتها بين أيدينا، فيها مصلية فيها لحم وصلق كثير ، فأكل معنا ، وسأل ابن خالته عمن بقي من أهله بخراسان في خلال الأكل ، فربما استعجم عليه ، فيكلمه جدي بالفارسية ، ويضع اللحم بين يديه وبين يدي . ثم أخذ طبقا إلى جنبه ، فوضع فيه تمر وجوز ، وجعل يأكل ويناول الرجل .
قال الميموني : كثيرا ما كنت أسأل أبا عبد الله عن الشيء ، فيقول : لبيك لبيك .
وعن المروذي ، قال : لم أرَ الفقير في مجلس أعز منه في مجلس أحمد . كان مائلا إليهم ، مقصرا عن أهل الدنيا ، وكان فيه حلم ، ولم يكن بالعجول ، وكان كثير التواضع تعلوه السكينة والوقار ، وإذا جلس في مجلسه بعد العصر للفتيا لا يتكلم حتى يسأل ، وإذا خرج إلى مسجده لم يتصدر .
قال عبد الله : رأيت أبي حرج ع
ولد الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الذهلي الشيباني في بغداد في شهر ربيع الأول سنة 164 هـ 780م وتنقل بين الحجاز واليمن ودمشق. سمع من كبار المحدثين ونال قسطاً وافراً من العلم والمعرفة، حتى قال فيه الإمام الشافعي: "خرجت من بغداد فما خلّفت بها رجلاً أفضل ولا أعلم ولا أفقَهَ من ابن حنبل".
وعن إبراهيم الحربي، قال: "رأيت أحمد ابن حنبل، فرأيت كأن الله جمع له علم الأولين والآخرين من كل صنف يقول ما يشاء ويمسك عمّا يشاء". ولم يكن ابن حنبل يخوض في شيء مما يخوض فيه الناس من أمر الدنيا
صفته :
قال ابن ذريح العُكْبَرِي : طلبت أحمد بن حنبل فسلمت عليه ، وكان شيخا مخضوبا طوالا أسمر شديد السمرة . قال أحمد : سمعت من علي بن هاشم سنة تسع سبعين ، فأتيته المجلس الآخر ، وقد مات . وهي السنة التي مات فيها مالك ، وأقمت بمكة سنة سبع وتسعين ، وأقمت عند عبد الرزاق سنة تسع وتسعين . ورأيت ابن وهب بمكة ، ولم أكتب ، عنه .
قال محمد بن حاتم : ولِي حنبل جد الإمام سَرْخَس ، وكان من أبناء الدعوة ، فحُدثتُ أنه ضربه المسيَّب بن زهير ببخارى لكونه شغَّب الجند .
وعن محمد بن عباس النحوي ، قال : رأيت أحمد بن حنبل حسن الوجه ، رَبْعة ، يخضب بالحناء خضابا ليس بالقاني ، في لحيته شعرات سود ، ورأيت ثيابه غلاظا بيضا ، ورأيته معتما وعليه إزار .
وقال المروذي : رأيت أبا عبد الله إذا كان في البيت عامة جلوسه متربعا خاشعا . فإذا كان بَرّا ، لم يتبين منه شدة خشوع ، وكنت أدخل ، والجزء في يده يقرأ .
رحلته وحفظه :
قال صالح : سمعت أبي يقول : خرجت إلى الكوفة ، فكنت في بيت تحت رأسي لبنة ، فحججت ، فرجعت إلى أمي ، ولم أكن استأذنتها .
وقال حنبل : سمعت أبا عبد الله ، يقول : تزوجت وأنا ابن أربعين سنة ، فرزق الله خيرا كثيرا .
قال أبو بكر الخلال في كتاب " أخلاق أحمد " ، وهو مجلد : أملَى عليّ زهير بن صالح بن أحمد ، قال : تزوج جدي عباسة بنت الفضل من العرب ، فلم يولد له منها غير أبي . وتوفيت فتزوج بعدها ريحانة ، فولدت عبد الله عمي ، ثم توفيت ، فاشترى حُسْنا ، فولدت أم علي زينب ، وولدت الحسن والحسين توأما وماتا بقرب ولادتهما ، ثم ولدت الحسن ومحمدا ، فعاشا حتى صارا من السن إلى نحو من أربعين سنة ، ثم ولدت سعيدا . قيل : كانت والدة عبد الله عَوراء ، وأقامت معه سنين .
قال المروذي : قال لي أبو عبد الله : اختلفت إلى الكتاب ، ثم اختلفت إلى الديوان ، وأنا ابن أربع عشرة سنة . وذكر الخلال حكايات في عقل أحمد وحياته في المكتب وورعه في الصغر .
حدثنا المروذي : سمعت أبا عبد الله ، يقول : مات هشيم ولي عشرون سنة ، فخرجت أنا والأعرابي رفيق كان لأبي عبد الله ، قال : فخرجنا مشاة ، فوصلنا الكوفة ، يعني : في سنة ثلاث وثمانين ، فأتينا أبا معاوية ، وعنده الخلق ، فأعطى الأعرابي حَجَّة بستين درهما ، فخرج وتركني في بيت وحدي ، فاستوحشت ، وليس معي إلا جراب فيه كتبي ، كنت أضعه فوق لبنة ، وأضع رأسي عليه . وكنت أذاكر وكيعا بحديث الثوري ، وذكر مرة شيئا ، فقال : هذا عند هشيم ؟ فقلت : لا. وكان ربما ذكر العشر أحاديث فأحفظها ، فإذا قام ، قالوا لي ، فأُمليها عليهم .
وحدثنا عبد الله بن أحمد ، قال لي أبي : خذ أي كتاب شئت من كتب وكيع من المصنف ، فإن شئت أن تسألني عن الكلام حتى أخبرك بالإسناد ، وإن شئت بالإسناد حتى أخبرك أنا بالكلام .
وحدثنا عبد الله بن أحمد : سمعت سفيان بن وكيع ، يقول : أحفظ عن أبيك مسألة من نحو أربعين سنة . سئل عن الطلاق قبل النكاح ، فقال : يروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن علي وابن عباس ونيف وعشرين من التابعين ، لم يروا به بأسا . فسألت أبي عن ذلك ، فقال : صدق ، كذا قلت .
قال : وحفظت أني سمعت أبا بكر بن حماد ، يقول : جمعت أبا بكر بن أبي شيبة ، يقول : لا يقال لأحمد بن حنبل : من أين قلت ؟ وسمعت أبا إسماعيل الترمذي ، يذكر عن ابن نمير ، قال : كنت عند وكيع ، فجاءه رجل ، أو قال : جماعة من أصحاب أبي حنيفة ، فقالوا له : هاهنا رجل بغدادي يتكلم في بعض الكوفيين ، فلم يعرفه وكيع . فبينا نحن إذ طلع أحمد بن حنبل ، فقالوا : هذا هو ، فقال وكيع : هاهنا يا أبا عبد الله ، فأفرجوا له ، فجعلوا يذكرون عن أبي عبد الله الذي ينكرون . وجعل أبو عبد الله يحتج بالأحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا لوكيع : هذا بحضرتك ترى ما يقول ؟ فقال : رجل يقول : قال رسول الله ، أيش أقول له ؟ ثم قال : ليس القول إلا كما قلت يا أبا عبد الله ، فقال القوم لوكيع : خدعك والله البغدادي .
قال عارِم : وضع أحمد عندي نفقته ، فقلت له يوما: يا أبا عبد الله ، بلغني أنك من العرب . فقال : يا أبا النعمان ، نحن قوم مساكين فلم يزل يدافعني حتى خرج ، ولم يقل لي شيئا .
قال الخلال : أخبرنا المروذي : أن أبا عبد الله ، قال : ما تزوجت إلا بعد الأربعين . وعن أحمد الدورقي ، عن أبي عبد الله ، قال : نحن كتبنا الحديث من ستة وجوه وسبعة لم نضبطه ، فكيف يضبطه من كتبه من وجه واحد ؟! قال عبد الله بن أحمد : قال لي أبو زرعة : أبوك يحفظ ألف ألف حديث ، فقيل له : وما يدريك ؟ قال : ذاكرته فأخذت عليه الأبواب . فهذه حكاية صحيحة في سعة علم أبي عبد الله ، وكانوا يعدون في ذلك المكرر ، والأثر ، وفتوى التابعي ، وما فُسِّر ، ونحو ذلك وإلا فالمتون المرفوعة القوية لا تبلغ عشر معشار ذلك .
قال ابن أبي حاتم : قال سعيد بن عمرو : يا أبا زرعة ، أأنت أحفظ ، أم أحمد ؟ قال : بل أحمد . قلت : كيف علمت ؟ قال : وجدت كتبه ليس في أوائل الأجزاء أسماء الذين حدثوه . فكان يحفظ كل جزء ممن سمعه ، وأنا لا أقدر على هذا . وعن أبي زرعة قال : حُزِرَتْ كتب أحمد يوم مات ، فبلغتْ اثني عشر حِملا وعِدلا . ما كان على ظهر كتاب منها حديث فلان ، ولا في بطنه حدثنا فلان ، كل ذلك كان يحفظه .
وقال حسن بن منبه : سمعت أبا زرعة ، يقول : أخرج إليّ أبو عبد الله أجزاء كلها سفيان سفيان ، ليس على حديث منها " حدثنا فلان " ، فظننتها عن رجل واحد ، فانتخبت منها . فلما قرأ ذلك علي جعل يقول : حدثنا وكيع ، ويحيى ، وحدثنا فلان ، فعجيت ، ولم أقدر أنا على هذا .
قال إبراهيم الحربي : رأيت أبا عبد الله ، كأن الله جمع له علم الأولين والآخرين . وعن رجل قال : ما رأيت أحدأ أعلم بفقه الحديث ومعانيه من أحمد . أحمد بن سلمة : سمعت ابن راهويه ، يقول : كنت أجالس أحمد وابن معين ، ونتذاكر فأقول : ما فقهه ؟ ما تفسيره ؟ فيسكتون إلا أحمد .
قال أبو بكر الخلال : كان أحمد قد كتب كتب الرأي وحفظها ، ثم لم يلتفت إليها .
قال إبراهيم بن شماس : سألنا وكيعا عن خارجة بن مصعب ، فقال : نهاني أحمد أن أحدِّث عنه .
قال العباس بن محمد الخلال : حدثنا إبراهيم بن شماس ، سمعت وكيعا وحفص بن غياث ، يقولان : ما قدم الكوفة مثل ذاك الفتى ، يعنيان : أحمد بن حنبل . وقيل : إن أحمد أتى حسينا الجعفي بكتاب كبير يشفع في أحمد ، فقال حسين : يا أبا عبد الله ، لا تجعل بيني وبينك منعما فليس تحَمَّل عليّ بأحد إلا وأنت أكبر منه . الخلال : حدثنا المروذي ، أخبرنا خضر المروذي بطرسوس ، سمعت ابن راهويه ، سمعت يحيى بن آدم ، يقول : أحمد بن حنبل إمامنا .
الخلال : حدثنا محمد بن علي ، حدثنا الأثرم ، حدثني بعض من كان مع أبي عبد الله ، أنهم كانوا يجتمعون عند يحيى بن آدم ، فيتشاغلون عن الحديث بمناظرة أحمد يحيى بن آدم ، ويرتفع الصوت بينهما ، وكان يحيى بن آدم واحد أهل زمانه في الفقه .
الخلال : أخبرنا المروذي ، سمعت محمد بن يحيى القطان ، يقول : رأيت أبي مكرَّما لأحمد بن حنبل ، لقد بذل له كُتُبه ، أو قال : حديثه .
وقال القواريري : قال يحيى القطان : ما قدم علينا مثل هذين؛ أحمد ويحيى بن معين . وما قدم عليّ من بغداد أحب إليّ من أحمد بن حنبل .
وقال عبد الله بن أحمد : سمعت أبي يقول : شقّ علَى يحيى بن سعيد يوم خرجتُ من البصرة .
عمرو بن العباس : سمعت عبد الرحمن بن مهدي ، ذكر أصحاب الحديث ، فقال : أعلمهم بحديث الثوري أحمد بن حنبل . قال : فأقبل أحمد ، فقال ابن مهدي : من أراد أن ينظر إلى ما بين كتفي الثوري ، فلينظر إلى هذا .
قال المروذي : قال أحمد : عنيت بحديث سفيان ، حتى كتبته عن رجلين ، حتى كلمنا يحيى بن آدم ، فكلم لنا الأشجعي ، فكان يخرج إلينا الكتب ، فنكتب من غير أن نسمع . وعن ابن مهدي ، قال : ما نظرت إلى أحمد إلا ذكرتُ به سفيان .
قال عبد الله بن أحمد : سمعت أبي يقول : خالف وكيعٌ ابنَ مهدي في نحو من ستين حديثا من حديث سفيان ، فذكرت ذلك لابن مهدي ، وكان يحكيه عني . عباس الدوري : سمعت أبا عاصم يقول لرجل بغدادي : من تعدون عندكم اليوم من أصحاب الحديث ؟ .
قال : عندنا أحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، وأبو خيثمة ، والمُعَيْطي ، والسُّويدي ، حتى عدَّ له جماعة بالكوفة أيضا وبالبصرة . فقال أبو عاصم : قد رأيت جميع من ذكرت ، وجاءوا إليَّ ، لم أر مثل ذاك الفتى ، يعني : أحمد بن حنبل .
قال شجاع بن مخلد : سمعت أبا الوليد الطيالسي ، يقول : ما بالمصرين رجل أكرم عليّ من أحمد بن حنبل . وعن سليمان بن حرب ، أنه قال لرجل : سَلْ أحمد بن حنبل ، وما يقول في مسألة كذا ؟ فإنه عندنا إمام .
الخلال : حدثنا علي بن سهل ، قال : رأيت يحيى بن معين عند عفان ، ومعه أحمد بن حنبل ، فقال : ليس هنا اليوم حديث . فقال يحيى : ترد أحمد بن حنبل ، وقد جاءك ؟ فقال : الباب مقفل ، والجارية ليست هنا . قال يحيى : أنا أفتح ، فتكلم على القُفل بشيء ، ففتحه . فقال عفان : أفشَّاش أيضا؟! وحدثهم .
قال : وحدثنا المروذي : قلت لأحمد : أكان أُغميَ عليك ، أو غُشِي عليك عند ابن عيينة ؟ قال : نعم ، في دهليزه زَحَمني الناس ، فأُغمي عليّ .
وروي أن سفيان ، قال يومئذ : كيف أحدث وقد مات خير الناس ؟ .
وقال مُهَنَّى بن يحيى : قد رأيت ابن عيينة ، ووكيعا ، وبقية ، وعبد الرزاق ، وضَمْرَة ، والناس ، ما رأيت رجلا أجمع من أحمد في علمه وزهده وورعه . وذكر أشياء .
وقال نوح بن حبيب القومسي : سلمت على أحمد بن حنبل في سنة ثمان وتسعين ومائة بمسجد الخَيْف ، وهو يُفتي فُتيا واسعة .
وعن شيخ أنه كان عنده كتاب بخط أحمد بن حنبل ، فقال : كنا عند ابن عيينة سنة ، ففقدت أحمد بن حنبل أياما ، فدللت على موضعه ، فجئت ، فاذا هو في شبيه بكهف في جياد . فقلت : سلام عليكم ، أدخل ؟ فقال : لا . ثم قال : ادخل ، فدخلت ، وإذا عليه قطعة لِبْدٍ خَلَق ، فقلت : لم حجبتني ؟ فقال : حتى استترت . فقلت : ما شأنك ؟ قال : سرقت ثيابي . قال : فبادرت إلى منزلي فجئته بمائة درهم ، فعرضتها عليه ، فامتنع ، فقلت : قرضا ، فأبى ، حتى بلغت عشرين درهما ، ويأبى . فقمت ، وقلت : ما يحل لك أن تقتل نفسك . قال : ارجع ، فرجعت ، فقال : أليس قد سمعت معي من ابن عيينة ؟ قلت : بلى . قال : تحب أن أنسخه لك ؟ قلت : نعم . قال : اشتر لي ورقا . قال : فكتب بدراهم اكتسى منها ثوبين .
الحاكم : سمعت بكران بن أحمد الحنظلي الزاهد ببغداد ، سمعت عبد الله بن أحمد ، سمعت أبي يقول : قدمت صنعاء ، أنا ويحيى بن معين ، فمضيت إلى عبد الرزاق في قريته ، وتخلف يحيى ، فلما ذهبت أدق الباب ، قال لي بقال تجاه داره : مهْ ، لا تدق ، فإن الشيخ يهاب . فجلست حتى إذا كان قبل المغرب ، خرج فوثبت إليه ، وفي يدي أحاديث انتقيتُها ، فسلمت ، وقلت : حدثني بهذه رحمك الله ، فإني رجل غريب . قال : ومن أنت ؟ وزبرني . قلت : أنا أحمد بن حنبل ، قال : فتقاصر ؟ وضمني إليه ، وقال : بالله أنت أبو عبد الله ؟ ثم أخذ الأحاديث ، وجعل يقرؤها حتى أظلم ، فقال للبقال : هلم المصباح حتى خرج وقت المغرب ، وكان عبد الرزاق يؤخر صلاة المغرب .
الخلال : حدثنا الرمادي ، سمعت عبد الرزاق ، وذكر أحمد بن حنبل ، فدمعت عيناه ، فقال : بلغني أن نفقته نفدت ، فأخذت بيده ، فأقمته خلف الباب ، وما معنا أحد ، فقلت له : إنه لا تجتمع عندنا الدنانير ، إذا بعنا الغلة ، أشغلناها في شيء . وقد وجدت عند النساء عشرة دنانير فخذها ، وأرجو أن لا تنفقها حتى يتهيأ شيء . فقال لي : يا أبا بكر ، لو قبلت من أحد شيئا ، قبلت منك .
وقال عبد الله : قلت لأبي : بلغني أن عبد الرزاق عرض عليك دنانير ؟ .
قال : نعم . وأعطاني يزيد بن هارون خمس مائة درهم -أظن- فلم أقبل ، وأعطى يحيى بن معين ، وأبا مسلم ، فأخذا منه .
وقال محمد بن سهل بن عسكر : سمعت عبد الرزاق ، يقول : إن يعشْ هذا الرجل ، يكون خلفا من العلماء .
المروذي : حدثني أبو محمد النسائي ، سمعت إسحاق بن راهويه ، قال : كنا عند عبد الرزاق أنا وأحمد بن حنبل ، فمضينا معه إلى المصلى يوم عيد ، فلم يكبر هو ولا أنا ولا أحمد ، فقال لنا : رأيت معمرا والثوري في هذا اليوم كبرا ، وأني رأيتكما لم تكبرا فلم أكبر ، فلم لم تكبرا ؟ قلنا : نحن نرى التكبير ، ولكن شُغلنا بأي شيء نبتدئ من الكتب .
أبو إسحاق الجوزجاني ، قال : كان أحمد بن حنبل يصلي بعبد الرزاق ، فسها ، فسأل عنه عبد الرزاق ، فأخبر أنه لم يأكل منذ ثلاثة أيام شيئا. رواها الخلال ، قال : سمعت أبا زرعة القاضي الدمشقي عن الجوزجاني .
قال الخلال : حدثنا أبو القاسم بن الجبلي ، عن أبي إسماعيل الترمذي ، عن إسحاق بن راهويه ، قال : كنت مع أحمد بن حنبل عند عبد الرزاق ، وكانت معي جارية ، وسكنَّا فوق ، وأحمد أسفل في البيت . فقال لي : يا أبا يعقوب : هو ذا يعجبني ما أسمع من حركتكم . قال : وكنت أطلع فأراه يعمل التكك ، ويبيعها ، ويتقوت بها هذا أو نحوه .
قال المروذي : سمعت أبا عبد الله ، يقول : كنت في إِزْرِي من اليمن إلى مكة . قلت : اكتريت نفسك من الجمالين ؟ قال : قد اكتريت لكتبي ، ولم يقل لا . وعن إسماعيل ابن عُلَيَّة : أنه أقيمت الصلاة ، فقال : هاهنا أحمد بن حنبل ، قولوا له يتقدم يصلي بنا .
وقال الأثرم : أخبرني عبد الله بن المبارك شيخ سمع قديما ، قال : كنا عند ابن عُليَّة ، فضحك بعضنا وثم أحمد . قال : فأتينا إسماعيل بعد فوجدناه غضبان ، فقال : تضحكون وعندي أحمد بن حنبل! .
قال المروذي : قال لي أبو عبد الله : كنا عند يزيد بن هارون ، فوهم في شيء ، فكلمته ، فأخرج كتابه ، فوجده كما قلت ، فغيره فكان إذا جلس ، يقول : يا ابن حنبل ، ادْنُ ، يا ابن حنبل ، ادن هاهنا . ومرضت فعادني ، فنطحه الباب .
المروذي : سمعت جعفر بن ميمون بن الأصبغ ، سمعت أبي يقول : كنا عند يزيد بن هارون ، وكان عنده المُعَيْطي ، وأبو خيثمة ، وأحمد ، وكانت في يزيد -رحمه الله- مداعبة ، فذاكره المعيطي بشيء . فقال له يزيد : فقدتك ، فتنحنح أحمد فالتفت إليه ، فقال : من ذا ؟ قالوا : أحمد بن حنبل ، فقال : ألا أعلمتموني أنه هاهنا ؟ .
قال المروذي : فسمعت بعض الواسطين يقول : ما رأيت يزيد بن هارون ترك المزاح لأحد إلا لأحمد بن حنبل .
قال أحمد بن سنان القطان : ما رأيت يزيد لأحد أشد تعظيما منه لأحمد بن حنبل ، ولا أكرم أحدا مثله ، كان يقعده إلى جنبه ، ويوقِّره ، ولا يمازحه .
وقال عبد الرزاق : ما رأيت أحدا أفقه ولا أورع من أحمد بن حنبل . قلت : قال هذا ، وقد رأى مثل الثوري ومالك وابن جريج .
وقال حفص بن غياث : ما قدم الكوفة مثل أحمد .
وقال أبو اليمان : كنت أشبه أحمد بأرطاة بن المنذر .
وقال الهيثم بن جميل الحافظ : إن عاش أحمد سيكون حجة على أهل زمانه .
وقال قتيبة : خير أهل زماننا ابن المبارك ، ثم هذا الشاب ، يعني : أحمد بن حنبل ، وإذا رأيت رجلا يحب أحمد ، فاعلم أنه صاحب سنة . ولو أدرك عصر الثوري ، والأوزاعي ، والليث ، لكان هو المقدم عليهم . فقيل لقتيبة : يضم أحمد إلى التابعين ؟ قال : إلى كبار التابعين .
وقال قتيبة : لولا الثوري ، لمات الورع ، ولولا أحمد لأحدثوا في الدين ، أحمد إمام الدنيا . قلت : قد روى أحمد في " مسنده " عن قتيبة كثيرا . وقيل لأبي مُسهر الغساني : تعرف من يحفظ على الأمة أمر دينها ؟
قال : شاب في ناحية المشرق ، يعني : أحمد .
قال المُزَني : قال لي الشافعي : رأيت ببغداد شابا إذا قال : حدثنا ، قال الناس كلهم : صدق . قلت : ومن هو ؟ قال : أحمد بن حنبل .
وقال حرملة : سمعت الشافعي يقول : خرجت من بغداد فما خلفت بها رجلا أفضل ، ولا أعلم ، ولا أفقه ، ولا أتقى من أحمد بن حنبل .
وقال الزعفراني : قال لي الشافعي : ما رأيت أعقل من أحمد ، وسليمان بن داود الهاشمي .
قال محمد بن إسحاق بن راهويه : حدثني أبي ، قال : قال لي أحمد بن حنبل : تعال حتى أريك من لم يُرَ مثله ، فذهب بي إلى الشافعي ، قال أبي : وما رأى الشافعي مثل أحمد بن حنبل . ولولا أحمد وبَذْلُ نفسه ، لذهب الإسلام - يريد المحنة .
ورُوِي عن إسحاق بن راهويه ، قال : أحمد حجة بين الله وبين خلقه .
وقال محمد بن عبدويه : سمعت علي بن المديني ، يقول : أحمد أفضل عندي من سعيد بن جبير في زمانه؛ لأن سعيدا كان له نظراء . وعن ابن المديني ، قال : أعز الله الدين بالصديق يوم الردة ، وبأحمد يوم المحنة .
وقال أبو عبيد : انتهى العلم إلى أربعة : أحمد بن حنبل وهو أفقههم ، وذكر الحكاية .
وقال أبو عبيد : إني لأتدين بذكر أحمد . ما رأيت رجلا أعلم بالسنة منه.
وقال الحسن بن الربيع : ما شبهت أحمد بن حنبل إلا بابن المبارك في سمته وهيئته .
الطبراني : حدثنا محمد بن الحسين الأنماطي ، قال : كنا في مجلس فيه يحيى بن معين ، وأبو خيثمة ، فجعلوا يثنون على أحمد بن حنبل ، فقال رجل : فبعض هذا ، فقال يحيى : وكثرة الثناء على أحمد تستنكر ! لو جلسنا مجالسنا بالثناء عليه ، ما ذكرنا فضائله بكمالها . وروى عباس ، عن ابن معين قال : ما رأيت مثل أحمد .
وقال النُّفيلي : كان أحمد بن حنبل من أعلام الدين .
وقال المروذي : حضرت أبا ثور سئل عن مسألة ، فقال : قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل شيخنا وإمامنا فيها كذا وكذا .
وقال ابن معين : ما رأيت من يحدث لله إلا ثلاثة : يعلى بن عبيد ، والقعنبي وأحمد بن حنبل .
وقال ابن معين : أرادوا أن أكون مثل أحمد ، والله لا أكون مثله أبدا .
وقال أبو خيثمة : ما رأيت مثل أحمد ، ولا أشد منه قلبا .
وقال علي بن خشرم : سمعت بشر بن الحارث ، يقول : أنا أُسأل عن أحمد بن حنبل ؟ ! إن أحمد أُدخل الكير ، فخرج ذهبا أحمر .
وقال عبد الله بن أحمد : قال أصحاب بشر الحافي له حين ضرب أبي : لو أنك خرجت فقلت : إني على قول أحمد ، فقال : أتريدون أن أقوم مقام الأنبياء ؟!.
القاسم بن محمد الصائغ : سمعت المروذي ، يقول : دخلت على ذي النون السجن ، ونحن بالعسكر ، فقال : أي شيء حال سيدنا ؟ يعني : أحمد بن حنبل .
وقال محمد بن حماد الظهراني : سمعت أبا ثور الفقيه ، يقول : أحمد بن حنبل أعلم أو أفقه من الثوري .
وقال نصر بن علي الجهضمي : أحمد أفضل أهل زمانه .
قال صالح بن علي الحلبي : سمعت أبا همام السكوني يقول : ما رأيت مثل أحمد بن حنبل ، ولا رأى هو مثله . وعن حجاج بن الشاعر ، قال : ما رأيت أفضل من أحمد ، وما كنت أحب أن أُقتل في سبيل الله ، ولم أُصَلِّ على أحمد ، بلغ والله في الإمامة أكبر من مبلغ سفيان ومالك .
وقال عمرو الناقد : إذا وافقني أحمد بن حنبل على حديث لا أُبالي من خالفني .
قال ابن أبي حاتم : سألت أبي عن علي بن المديني وأحمد بن حنبل ، أيهما أحفظ ؟ فقال : كانا في الحفظ متقاربين ، وكان أحمد أفقه ، إذا رأيت من يحب أحمد ، فاعلم أنه صاحب سنة .
وقال أبو زرعة : أحمد بن حنبل أكبر من إسحاق وأفقه ، ما رأيت أحدا أكمل من أحمد .
وقال محمد بن يحيى الذُّهْلي : جعلت أحمد إماما فيما بيني وبين الله .
وقال محمد بن مهران الجمال : ما بقي غير أحمد .
قال إمام الأئمة ابن خزيمة : سمعت محمد بن سحتويه ، سمعت أبا عمير بن النحاس الرملي ، وذكر أحمد بن حنبل ، فقال : رحمه الله ، عن الدنيا ما كان أصبره ، وبالماضين ما كان أشبهه ، وبالصالحين ما كان ألحقه ، عرضت له الدنيا فأباها ، والبدع فنفاها .
قال أبو حاتم : كان أبو عمير من عباد المسلمين . قال لي : أمِلَّ عليّ شيئا عن أحمد بن حنبل . وروي عن أبي عبد الله البوشنجي : قال : ما رأيت أجمع في كل شيء من أحمد بن حنبل ، ولا أعقل منه .
وقال ابن وارة : كان أحمد صاحب فقه ، صاحب حفظ ، صاحب معرفة.
وقال النسائي : جمع أحمد بن حنبل المعرفة بالحديث والفقه والورع والزهد والصبر . وعن عبد الوهاب الوراق : قال : لما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : فردوه إلى عالمه رددناه إلى أحمد بن حنبل ، وكان أعلم أهل زمانه .
وقال أبو داود : كانت مجالس أحمد مجالس الآخرة ، لا يذكر فيها شيء من أمر الدنيا ، ما رأيته ذكر الدنيا قط .
قال صالح بن محمد جزرة : أفقه من أدركت في الحديث أحمد بن حنبل .
قال علي بن خلف : سمعت الحميدي ، يقول : ما دمت بالحجاز ، وأحمد بالعراق ، وابن راهويه بخراسان لا يغلبنا أحد . الخلال : حدثنا محمد بن ياسين البلدي ، سمعت ابن أبي أويس ، وقيل له ذهب أصحاب الحديث ، فقال : ما أبقى الله أحمد بن حنبل ، فلم يذهب أصحاب الحديث .
وعن ابن المديني ، قال : أمرني سيدي أحمد بن حنبل أن لا أحدث إلا من كتاب . الحسين بن الحسن أبو معين الرازي : سمعت ابن المديني ، يقول : ليس في أصحابنا أحفظ من أحمد ، وبلغني أنه لا يحدث إلا من كتاب ، ولنا فيه أسوة . وعنه قال : أحمد اليوم حجة الله على خلقه .
أخبرنا عمر بن عبد المنعم ، عن أبي اليُمن الكندي ، أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم ، أخبرنا أبو إسماعيل الأنصاري ، أخبرنا أبو يعقوب القرّاب ، أخبرنا محمد بن عبد الله الجوزقي ، سمعت أبا حامد الشرقي ، سمعت أحمد بن سلمة ، سمعت أحمد بن عاصم ، سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام ، يقول : انتهى العلم إلى أربعة : أحمد بن حنبل وهو أفقههم فيه ، وإلى ابن أبي شيبة وهو أحفظهم له ، وإلى علي بن المديني وهو أعلمهم به ، وإلى يحيى بن معين وهو أكتبهم له .
إسحاق المنجنيقي : حدثنا القاسم بن محمد المؤدب ، عن محمد بن أبي بشر ، قال : أتيت أحمد بن حنبل في مسألة ، فقال : ائتِ أبا عبيد؛ فإن له بيانا لا تسمعه من غيره . فأتيته فشفاني جوابه . فأخبرته بقول أحمد ، فقال : ذاك رجل من عمال الله ، نشر الله رداء عمله ، وذخر له عنده الزلفى ، أما تراه محببا مألوفا . ما رأت عيني بالعراق رجلا اجتمعت فيه خصال هي فيه ، فبارك الله له فيما أعطاه من الحلم والعلم والفهم ، فإنه لكما قيل : يـزينك إمـا غـاب عنـك فـإن دنـا
رأيــت لــه وجهــا يسـرك مقـبلا يعلـم هـذا الخلق مـا شــذ عنهـم
مـن الأدب المجـهول كهفــا ومعقــلا ويحســن فــي ذات الإلــه إذا رأى
مَضيمـا لأهــل الحـق لا يسـأم البَـلا وإخـوانـه الأدنَــوْن كـل مـوفـق
بصـير بأمـر الله يسمـو علـى العُــلا وبإسنادي إلى أبي إسماعيل الأنصاري : أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم ، أخبرنا نصر بن أبي نصر الطوسي ، سمعت علي بن أحمد بن خُشَيش ، سمعت أبا الحديد الصوفي بمصر ، عن أبيه ، عن المزني ، يقول : أحمد بن حنبل يوم المحنة ، أبو بكر يوم الردة ، وعمر يوم السقيفة ، وعثمان يوم الدار ، وعلي يوم صِفين .
قال أحمد بن محمد الرُّشْدِيني : سمعت أحمد بن صالح المصري ، يقول : ما رأيت بالعراق مثل هذين : أحمد بن حنبل ، ومحمد بن عبد الله بن نمير ، رجلين جامعين لم أر مثلهما بالعراق . وروى أحمد بن سلمة النيسابوري ، عن ابن وارة ، قال : أحمد بن حنبل ببغداد ، وأحمد بن صالح بمصر ، وأبو جعفر النفيلي بحران ، وابن نمير بالكوفة ، هؤلاء أركان الدين .
وقال علي بن الجنيد الرازي : سمعت أبا جعفر النفيلي ، يقول : كان أحمد بن حنبل من أعلام الدين .
وعن محمد بن مصعب العابد ، قال : لسوطٌ ضُرِبَه أحمد بن حنبل في الله أكبر من أيام بشر بن الحارث .
قلت : بشر عظيم القدر كأحمد ، ولا ندري وزن الأعمال ، إنما الله يعلم ذلك .
قال أبو عبد الرحمن النهاوَندي : سمعت يعقوب الفسوي ، يقول : كتبت عن ألف شيخ ، حجتي فيما بيني وبين الله رجلان : أحمد بن حنبل ، وأحمد بن صالح . وبالإسناد إلى الأنصارى شيخ الإسلام : أخبرنا أبو يعقوب ، أخبرنا منصور بن عبد الله الذهلي ، حدثنا محمد بن الحسن بن علي البخاري ، سمعت محمد بن إبراهيم البوشنجي ، وذكر أحمد بن حنبل ، فقال : هو عندي أفضل وأفقه من سفيان الثوري ، وذلك أن سفيان لم يُمتَحَن بمثل ما امتحن به أحمد ، ولا علم سفيان ومن يقدم من فقهاء الأمصار كعلم أحمد بن حنبل ؛ لأنه كان أجمع لها ، وأبصر بأغاليطهم وصَدُوقهم وكذوبهم . قال : ولقد بلغني عن بشر بن الحارث أنه قال : قام أحمد مقام الأنبياء . وأحمد عندنا امتحن بالسراء والضراء ، فكان فيهما معتصما بالله .
قال أبو يحيى الناقد : كنا عند إبراهيم بن عرعرة ، فذكروا يعلى بن عاصم ، فقال رجل : أحمد بن حنبل يضعفه . فقال رجل : وما يضره إذا كان ثقة ؟ فقال ابن عرعرة : والله لو تكلم أحمد في علقمة والأسود لضرهما .
وقال الحنيني : سمعت إسماعيل بن الخليل ، يقول : لو كان أحمد بن حنبل في بني إسرائيل لكان آية .
وعن علي بن شعيب ، قال : عندنا المثل الكائن في بني إسرائيل ، من أن أحدهم كان يُوضَع المنشار على مفرق رأسه ، ما يصرفه ذلك عن دينه . ولولا أن أحمد قام بهذا الشأن ، لكان عارا علينا أن قوما سبكوا ، فلم يخرج منهم أحد .
قال ابن سلم : سمعت محمد بن نصر المروزي ، يقول : صرت إلى دار أحمد بن حنبل مرارا ، وسألته عن مسائل ، فقيل له : أكان أكثر حديثا أم إسحاق ؟ قال : بل أحمد أكثر حديثا وأورع . أحمد فاق أهل زمانه . قلت : كان أحمد عظيم الشأن ، رأسا في الحديث ، وفي الفقه ، في التَّألُّه . أثنى عليه خلق من خصومه ، فما الظن بإخوانه وأقرانه ؟ ! ! وكان مهيبا في ذات الله . حتى لقال أبو عبيد : ما هِبتُ أحدا في مسألة ، ما هبت أحمد بن حنبل .
وقال إبراهيم الحربي : عالم وقته سعيد بن المسيب في زمانه ، وسفيان الثوري في زمانه ، وأحمد بن حنبل في زمانه .
قرأت على إسحاق الأسدي : أخبركم ابن خليل ، أخبرنا اللبان ، عن أبي علي الحداد ، أخبرنا أبو نعيم ، أخبرنا أبو بكر بن مالك ، حدثنا محمد بن يونس ، حدثني سليمان الشاذكوني ، قال : يشبه علي بن المديني بأحمد بن حنبل ؟ أيهات !! ما أشبه السُّك باللُّك لقد حضرت من ورعه شيئا بمكة: أنه أرهن سطلا عند فامِيّ فأخذ منه شيئا ليقوته . فجاء ، فأعطاه فكاكه ، فأخرج إليه سطلين ، فقال : انظر أيهما سطلك ؟ فقال : لا أدري أنت في حل منه ، وما أعطيك ، ولم يأخذه . قال الفامي : والله إنه لسطله ، وإنما أردت أن أمتحنه فيه .
وبه إلى أبي نعيم : حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا الأبار : سمعت محمد بن يحيى النيسابوري ، حين بلغه وفاة أحمد ، يقول : ينبغي لكل أهل دار ببغداد أن يقيموا عليه النياحة في دورهم .
قلت : تكلم الذهلي بمقتضى الحزن لا بمقتضى الشرع .
قال أحمد بن القاسم المقرئ : سمعت الحسين الكرابيسي ، يقول : مثل الذين يذكرون أحمد بن حنبل مثل قوم يجيئون إلى أبي قُبَيْس يريدون أن يهدموه بنعالهم .
الطبراني : حدثنا إدريس بن عبد الكريم المقرئ ، قال : رأيت علماءنا مثل الهيثم بن خارجة ، ومصعب الزبيري ، ويحيى بن معين ، وأبي بكر بن أبي شيبة ، وأخيه ، وعبد الأعلى بن حماد ، وابن أبي الشوارب وعلي بن المديني ، والقواريري ، وأبي خيثمة ; وأبي معمر ، والوركاني وأحمد بن محمد بن أيوب ، ومحمد بن بكار ، وعمرو الناقد ، ويحيى بن أيوب المقابري ، وسريج بن يونس ، وخلف بن هشام ، وأبي الربيع الزهراني ، فيمن لا أحصيهم ، يعظمون أحمد ويجلونه ويوقرونه ويبجلونه ويقصدونه للسلام عليه .
قال أبو علي بن شاذان : قال لي محمد بن عبد الله الشافعي : لما مات سعيد بن أحمد بن حنبل ، جاء إبراهيم الحربي إلى عبد الله بن أحمد ، فقام إليه عبد الله ، فقال : تقوم إليّ قال : والله لو رآك أبي ، لقام إليك ، فقال إبراهيم : والله لو رأى ابن عيينة أباك ، لقام إليه .
قال محمد بن أيوب العُكبَرِي : سمعت إبراهيم الحربي ، يقول : التابعون كلهم ، وآخرهم أحمد بن حنبل -وهو عندي أجلهم- يقولون : من حلف بالطلاق أن لا يفعل شيئا ثم فعله ناسيا ، كلهم يلزمونه الطلاق .
وعن الأثرم قال : ناظرت رجلا ، فقال : من قال بهذه المسألة ؟ قلت : من ليس في شرق ولا غرب مثله ، قال : من ؟ قلت : أحمد بن حنبل .
وقد أثنى على أبي عبد الله جماعة من أولياء الله ، وتبرَّكوا به . روى ذلك أبو الفرج ابن الجوزي ، وشيخ الإسلام ، ولم يصح سند بعض ذلك .
أخبرنا إسماعيل بن عميرة ، أخبرنا ابن قدامة ، أخبرنا أبو طالب بن خضير ، أخبرنا أبو طالب اليوسفي ، أخبرنا أبو إسحاق البرمكي ، أخبرنا علي بن عبد العزيز ، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم ، حدثنا أبو زرعة ، وقيل له . اختيار أحمد وإسحاق أحب إليك أم قول الشافعي ؟ قال : بل اختيار أحمد فإسحاق. ما أعلم في أصحابنا أسود الرأس أفقه من أحمد بن حنبل ، وما رأيت أحدا أجمع منه .
في فضله وتألهه وشمائله :
وبه قال ابن أبي حاتم : حدثنا صالح بن أحمد ، قال دخلت على أبي يوما أيام الواثق -والله يعلم على أي حال نحن- وقد خرج لصلاة العصر ، وكان له لِبْدٌ يجلس عليه ، قد أتى عليه سنون كثيرة حتى بلي ، وإذا تحته كتاب كاغد فيه : بلغني يا أبا عبد الله ما أنت فيه من الضيق ، وما عليك من الدين ، وقد وجهت إليك بأربعة آلاف درهم على يدي فلان ، وما هي من صدقة ولا زكاة ، وإنما هو شيء ورثته من أبي . فقرأت الكتاب ، ووضعته .
فلما دخل ، قلت : يا أبة ، ما هذا الكتاب ؟ فاحمرَّ وجهه ، وقال : رفعته منك . ثم قال : تذهب لجوابه ؟ فكتب إلى الرجل : وصل كتابك إليّ ، ونحن في عافية . فأما الدين ، فإنه لرجل لا يرهقنا ، وأما عيالنا ، ففي نعمة الله . فذهبت بالكتاب إلى الرجل الذي كان أوصل كتاب الرجل ، فلما كان بعد حين ، ورد كتاب الرجل مثل ذلك ، فرد عليه بمثل ما رد . فلما مضت سنة أو نحوها ، ذكرناها ، فقال : لو كنا قبلناها ، كانت قد ذهبت .
وشهدت ابن الجروي ، وقد جاء بعد المغرب ، فقال لأبي : أنا رجل مشهور ، وقد أتيتك في هذا الوقت ، وعندي شيء قد اعتددته لك ، وهو ميراث ، فأحب أن تقبله . فلم يزل به . فلما أكثر عليه ، قام ودخل . قال صالح : فأخبرت عن ابن الجروي أنه قال : قلت له : يا أبا عبد الله ، هي ثلاثة آلاف دينار . فقام وتركني .
قال صالح : ووجه رجل من الصين بكاغد صيني إلى جماعة من المحدثين ، ووجه بقِمَطْر إلى أبي ، فردَّه ، وولد لي مولود فأهدى صديق لي شيئا . ثم أتى على ذلك أشهر ، وأراد الخروج إلى البصرة ، فقال لي : تكلم أبا عبد الله يكتب لي إلى المشايخ بالبصرة ، فكلمته فقال : لولا أنه أهدى إليك ، كنت أكتب له .
وبه قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان ، قال : بلغني أن أحمد بن حنبل رهن نعله عند خباز باليمن ، وأكرى نفسه من جمالين عند خروجه ، وعرض عليه عبد الرزاق دراهم صالحة ، فلم يقبلها .
وبعث ابن طاهر حين مات أحمد بأكفان وحنوط ، فأبى صالح أن يقبله ، وقال : إن أبي قد أعد كفنه وحنوطه ، ورده ، فراجعه ، فقال : إن أمير المؤمنين أعفى أبا عبد الله مما يكره ، وهذا مما يكره ، فلست أقبله .
وبه : حدثنا صالح ، قال : قال أبي : جاءني يحيى بن يحيى -قال أبي : وما أخرجت خراسان بعد ابن المبارك رجلا يشبه يحيى بن يحيى- فجاءني ابنه ، فقال : إن أبي أوصى بمبطنة له لك ، وقال : يذكرني بها .
فقلت : جيء بها . فجاء برزمة ثياب ، فقلت له : اذهب رحمك الله ، يعني : ولم يقبلها .
قلت : وقيل : إنه أخذ منها ثوبا واحدا .
وبه قال : حدثنا صالح قال : قلت لأبي : أن أحمد الدورقي أُعطي ألف دينار . فقال : يا بني ، وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى .
وبه : حدثنا أبي ، حدثنا أحمد بن أبي الحواري ، حدثني عبيد القاري ، قال : دخل على أحمد عمه ، فقال : يا ابن أخي ، أيش هذا الغم ؟ وأيش هذا الحزن ؟ فرفع رأسه ، وقال : يا عم ، طُوبى لمن أخمل الله ذكره .
وبه : سمعت أبي يقول : كان أحمد إذا رأيته ، تعلم أنه لا يظهر النسك ، رأيت عليه نعلا لا يشبه نعال القراء ، له رأس كبير معقد ، وشراكه مسبل ، ورأيت عليه إزارا وجبة برد مخططة . أي : لم يكن بزيّ القُراء .
وبه : حدثنا صالح : قال لي أبي : جاءني أمس رجل كنت أحب أن تراه ، يبنا أنا قاعد ، في نحر الظهيرة ، إذا برجل سلم بالباب ، فكأن قلبي ارتاح ، ففتحت ، فإذا أنا برجل عليه فروة ، وعلى رأسه خرقة ، ما تحت فروِهِ قميص ، ولا معه ركوة ولا جراب ولا عكاز ، قد لوَّحته الشمس . فقلت : ادخل ، فدخل الدهليز ، فقلت : من أين أقبلت ؟ قال : من ناحية المشرق أريد الساحل ، ولولا مكانك ما دخلت هذا البلد ، نويت السلام عليك .
قلت : على هذه الحال ؟ قال : نعم . ما الزهد في الدنيا ؟ قلت : قصر الأمل ، قال : فجعلت أعجب منه ، فقلت في نفسي . ما عندي ذهب ولا فضة . فدخلت البيت ، فأخذت أربعة أرغفة ، فخرجت إليه ، فقال : أوَيَسُرُّك أن أقبل ذلك يا أبا عبد الله ؟ قلت : نعم . فأخذها ، فوضعها تحت حضنه ، وقال : أرجوأن تكفيني إلى الرَّقة . أستودعك الله . فكان يذكره كثيرا .
وبه : كتب إليَّ عبد الله بن أحمد ، سمعت أبي ، وذكر الدنيا ، فقال : قليلها يجزئ ، وكثيرها لا يجزئ ، وقال أبي : وقد ذكر عنده الفقر فقال : الفقر مع الخير .
وبه حدثنا صالح ، قال : أمسك أبي عن مكاتبة ابن راهويه ، لما أدخل كتابه إلى عبد الله بن طاهر وقرأه .
وبه قال : ذكر عبد الله بن أبي عمر البكري ، سمعت عبد الملك بن عبد الحميد الميموني ، قال : ما أعلم أني رأيت أحدا أنظف بدنا ، ولا أشد تعاهدا لنفسه في شاربه وشعر رأسه وشعر بدنه ، ولا أنقى ثوبا بشدة بياض ، من أحمد بن حنبل رضي الله عنه.
كان ثيابه بين الثوبين ، تسوى ملحفته خمسة عشر درهما ، وكان ثوب قميصه يؤخذ بالدينار ونحوه ، لم يكن له دقة تُنكر ، ولا غِلظ ينكر ، وكان مَلحفته مهذبة .
وبه حدثنا ، صالح ، قال : ربما رأيت أبي يأخذ الكسر ، ينفض الغبار عنها ، ويُصَيِّرها في قصعة ، ويصب عليها ماء ثم يأكلها بالملح . وما رأيته اشترى رمانا ولا سفرجلا ولا شيئا من الفاكهة ، إلا أن تكون بطيخة فيأكلها خبز وعنبا وتمرا .
وقال لي : كانت والدتك في الظلام تغزل غزلا دقيقا ، فتبيع الأستار بدرهمين أقل أو أكثر ، فكان ذلك قوتنا ، وكنا إذا اشترينا الشيء ، نستره عنه كيلا يراه ، فيوبخنا ، وكان ربما خُبِزَ له ، فيجعل في فَخَّارة عدسا وشحما وتمرات شهريز فيجيء الصبيان ، فيصوِّت ببعضهم ، فيدفعه إليهم ، فيضحكون ولا يأكلون. وكان يأتدم بالخل كثيرا .
قال: وقال أبي: إذا لم يكن عندي قطعة ، أفرح .
وكان إذا توضأ لا يدع من يستقي له ، وربما اعتللت فيأخذ قدحا فيه ماء ، فيقرأ فيه ، ثم يقول : اشرب منه ، واغسل وجهك ويديك .
وكانت له قلنسوة خاطها بيده ، فيها قطن ، فإذا قام بالليل لبسها .
وكان ربما أخذ القدوم ، وخرج إلى دار السكان ، يعمل الشيء بيده .
واعتل فتعالج .
وكان ربما خرج إلى البقال ، فيشتري الجُرْزَة الحطب والشيء ، فيحمله بيده .
وكان يتَنوَّر في البيت . فقال لي في يوم شتوي : أريد أدخل الحمام بعد المغرب ، فقل لصاحب الحمام . ثم بعث إليَّ : إني قد أضربت عن الدخول . وتنوَّر في البيت .
وكنت أسمعه كثيرا يقول : اللهم سلِّم سلِّم .
وبه حدثنا أحمد بن سنان ، قال : بُعث إلى أحمد بن حنبل حيث كان عندنا أيام يزيد جوز ونبق كثير فقبل ، وقال لي : كل هذا .
قال عبد الله بن أحمد : حدثنا أبي ، وذُكر عنده الشافعي -رحمه الله- فقال : ما استفاد منا أكثر مما استفدنا منه . ثم قال عبد الله : كل شيء في كتاب الشافعي حدثنا الثقة فهو عن أبي .
الخلال : حدثنا المروذي ، قال : قدم رجل من الزهاد ، فأدخلته على أحمد ، وعليه فروٌ خَلَقٌ ، وخُرَيْقة على رأسه وهو حاف في برد شديد ، فسلم ، وقال : يا أبا عبد الله ، قد جئت من موضع بعيد ، وما أردت إلا السلام عليك ، وأريد عَبَّادان ، وأريد إن أنا رجعت ، أسلِّم عليك . فقال : إن قدر . فقام الرجل وسلم ، وأبو عبد الله قاعد ، فما رأيت أحدا قام من عند أبي عبد الله ، حتى يقوم هو إلا هذا الرجل . فقال لي أبو عبد الله : ما ترى ما أشبهه بالأبدال ، أو قال : إني لأذكر به الأبدال . وأخرج إليه أبو عبد الله أربعة أرغفة مشطورة بكامَخ وقال : لو كان عندنا شيء ، لَوَاسَيْنَاك .
وأخبرنا المروذي : قلت لأبي عبد الله : ما أكثر الداعي لك ! قال : أخاف أن يكون هذا استدراجا بأي شيء هذا ؟ وقلت له : قدم رجل من طرسوس ، فقال : كنا في بلاد الروم في الغزو إذا هدأ الليل ، رفعوا أصواتهم بالدعاء ، ادعوا لأبي عبد الله ، وكنا نمد المنجنيق ، ونرمي عن أبي عبد الله . ولقد رمي عنه بحجر ، والعِلج على الحصن متترس بدَرَقَة فذهب برأسه وبالدَّرَقة . قال : فتغير وجه أبي عبد الله ، وقال : ليته لا يكون استدراجا . قلت : كلا .
وعن رجل قال : عندنا بخراسان يظنون أن أحمد لا يشبه البشر ، يظنون أنه من الملائكة .
وقال آخر : نظرة عندنا من أحمد تعدل عبادة سنة .
قلت : هذا غلوٌ لا ينبغي؛ لكن الباعث له حب ولي الله في الله .
قال المروذي : رأيت طبيبا نصرانيا خرج من عند أحمد ومعه راهب ، فقال : إنه سألني أن يجيء معي ليرى أبا عبد الله .
وأدخلت نصرانيا على أبي عبد الله ، فقال له : إني لأشتهي أن أراك منذ سنين . ما بقاؤك صلاح للإسلام وحدهم ، بل للخلق جميعا ، وليس من أصحابنا أحد إلا وقد رضي بك . فقلت لأبي عبد الله : إني لأرجو أن يكون يُدعى لك في جميع الأمصار . فقال : يا أبا بكر إذا عرف الرجل نفسه ، فما ينفعه كلام الناس .
قال عبد الله بن أحمد : خرج أبي إلى طرسوس ماشيا ، وحج حجتين أو ثلاثا ماشيا ، وكان أصبر الناس على الوحدة ، وبِشْرٌ لم يكن يصبر على الوحدة . كان يخرج إلى ذا وإلى ذا .
قال عباس الدوري : حدثنا علي بن أبي فزارة جارنا ، قال : كانت أمي مقعدة من نحو عشرين سنة . فقالت لي يوما : اذهب إلى أحمد بن حنبل ، فسله أن يدعو لي ، فأتيت ، فدققت عليه وهو في دهليزه ، فقال : من هذا ؟ قلت : رجل سألتني أمي وهي مُقعدة أن أسألك الدعاء . فسمعت كلامه كلام رجل مغضب . فقال : نحن أحوج أن تدعو الله لنا ، فوليت منصرفا . فخرجت عجوز ، فقالت : قد تركته يدعو لها . فجئت إلى بيتنا
ودققت الباب ، فخرجت أمي على رجليها تمشي .
هذه الواقعة نقلها ثقتان عن عباس .
قال عبد الله بن أحمد : كان أبي يصلي في كل يوم وليلة ثلاث مائة ركعة . فلما مرض من تلك الأسواط ، أضعفته ، فكان يصلي كل يوم وليلة مائة وخمسين ركعة .
وعن أبي إسماعيل الترمذي : قال : جاء رجل بعشرة آلاف من ربح تجارته إلى أحمد فردها . وقيل : إن صيرفيا بذل لأحمد خمس مائة دينار ، فلم يقبل .
ومن آدابه :
قال عبد الله بن أحمد : رأيت أبي يأخذ شعرة من شعر النبي -صلى الله عليه وسلم- فيضعها على فيه يُقَبِّلها . وأحسب أني رأيته يضعها على عينه ، ويغمسها في الماء ويشربه يستشفي به .
ورأيته أخذ قصعة النبي -صلى الله عليه وسلم- فغسلها في حُبّ الماء ، ثم شرب فيها ورأيته يشرب من ماء زمزم يستشفي به ، ويمسح به يديه ووجهه .
قلت : أين المتنطع المنكر على أحمد ، وقد ثبت أن عبد الله سأل أباه عمن يلمس رمانة منبر النبي -صلى الله عليه وسلم- ويمس الحجرة النبوية ، فقال : لا أرى بذلك بأسا . أعاذنا الله وإياكم من رأي الخوارج ومن البدع .
قال أحمد بن سعيد الدارمي : كتب إليَّ أحمد بن حنبل : لأبي جعفر -أكرمه الله- من أحمد بن حنبل .
قال عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري : حدثنا أبي ، قال : مضى عمي أحمد بن سعد إلى أحمد بن حنبل ، فسلم عليه . فلما رآه ، وثب قائما وأكرمه .
وقال المروذي : قال لي أحمد : ما كتبت حديثا إلا وقد عملت به ، حتى مر بي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- احتجم وأعطى أبا طيبة دينارا فأعطيت الحجام دينارا حين احتجمت .
وعن المروذي : كان أبو عبد الله لا يدخل الحمام ، ويتنور في البيت ، وأصلحت له غير مرة النُّورة ، واشتريت له جلدا ليده يدخل يده فيه ، ويتنور .
وقال حنبل : رأيت أبا عبد الله إذا أراد القيام ، قال لجلسائه : إذا شئتم .
وقال المروذي : رأيت أبا عبد الله قد ألقى لختان درهمين في الطست .
وقال عبد الله : ما رأيت أبي حدث من غير كتاب إلا بأقل من مائة حديث . وسمعت أبي يقول : قال الشافعي : يا أبا عبد الله : إذا صح عندكم الحديث ، فأخبرونا حتى نرجع إليه أنتم أعلم بالأخبار الصحاح منا ، فإذا كان خبر صحيح ، فأعلمني حتى أذهب اليه ، كوفيا كان أو بصريا أو شاميا . قلت : لم يحتج إلى أن يقول حجازيا ، فإنه كان بصيرا بحديث
الحجاز ، ولا قال مصريا ، فإن غيرهما كان أقعد بحديث مصر منهما.
الطبراني : حدثنا موسى بن هارون : سمعت ابن راهويه ، يقول : لما خرج أحمد إلى عبد الرزاق ، انقطعت به النفقة ، فأكرى نفسه من بعض الجمالين إلى أن وافى صنعاء ، وعرض عليه أصحابه المواساة فلم يأخذ .
قال عبد الله بن أحمد : حدثني إسماعيل بن أبي الحارث ، قال : مر بنا أحمد ، فقلنا لإنسان : اتبعه ، وانظر أين يذهب . فقال : جاء إلى حنك المروزي فما كان إلا ساعة حتى خرج . فقلت لحنَّك بَعْدُ : جاءك أبو عبد الله ؟ قال : هو صديق لي ، واستقرض مني مائتي درهم ، فجاءني بها ، فقلت : ما نويت أخذها ، فقال : وأنا ما نويت إلا أن أردها إليك .
أبو نعيم : حدثنا الطبراني ، حدثنا محمد بن موسى البربري ، قال : حمل إلى الحسن الجروي ميراثه من مصر مائة ألف دينار ، فأتى أحمد بثلاثة آلاف دينار ، فما قبلها .
أبو نعيم : حدثنا الحسين بن محمد ، حدثنا شاكر بن جعفر ، سمعت أحمد بن محمد التستري ، يقول : ذكروا أن أحمد بن حنبل أتى عليه ثلاثة أيام ما طعم فيها ، فبعث إلى صديق له ، فاقترض منه دقيقا ، فجهزوه بسرعة ، فقال : كيف ذا ؟ قالوا : تنور صالح مُسْجَر ، فخبزنا فيه ، فقال : ارفعوا ، وأمر بسدِّ باب بينه وبين صالح .
قلت : لكونه أخذ جائزة المتوكل .
قال يحيى بن معين : ما رأيت مثل أحمد ، صحبناه خمسين سنة ما افتخر علينا بشيء مما كان فيه من الخير .
قال عبد الله بن أحمد : كان أبي يقرأ كل يوم سبعا ، وكان ينام نومة
خفيفة بعد العشاء ، ثم يقوم إلى الصباح يصلي ويدعو .
وقال صالح : كان أبي إذا دعا له رجل ، قال : ليس يحرز الرجل المؤمن إلا حفرته ، الأعمال بخواتيمها وقال أبي في مرضه : أخرج كتاب عبد الله بن إدريس ، فقال : اقرأ علي حديث ليث : إن طاوسا كان يكره الأنين في المرض . فما سمعت لأبي أنينا حتى مات . وسمعه ابنه عبد الله يقول : تمنيت الموت ، وهذا أمر أشد علي من ذلك ، ذاك فتنة الضرب والحبس ، كنت أحمله ، وهذه فتنة الدنيا .
قال أحمد الدورقي : لما قدم أحمد بن حنبل من عند عبد الرزاق ، رأيت به شحوبا بمكة . وقد تبين عليه النصب والتعب ، فكلمته ، فقال : هين فيما استفدنا من عبد الرزاق .
قال عبد الله : قال أبي : ما كتبنا عن عبد الرزاق من حفظه إلا المجلس الأول ، وذلك أنا دخلنا بالليل ، فأملى علينا سبعين حديثا . وقد جالس معمرا تسع سنين . وكان يكتب عنه كل ما يقول.
قال عبد الله : من سمع من عبد الرزاق بعد المائتين ، فسماعه ضعيف .
قال موسى بن هارون : سئل أحمد : أين نطلب البدلاء ؟ فسكت ثم قال : إن لم يكن من أصحاب الحديث فلا أدري .
قال المروذي : كان أبو عبد الله إذا ذكر الموت ، خنقته العبرة . وكان يقول : الخوف يمنعني أكل الطعام والشراب ، وإذا ذكرت الموت ، هان علي كل أمر الدنيا . إنما هو طعام دون طعام ، ولباس دون لباس . وإنها أيام قلائل . ما أعدل بالفقر شيئا . ولو وجدت السبيل لخرجت حتى لا يكون لي ذكر .
وقال : أريد أن أكون في شعب بمكة حتى لا أعرف ، قد بُليت بالشهرة ، إني أتمنى الموت صباحا ومساء .
قال المروذي : وذكر لأحمد أن رجلا يريد لقاءه ، فقال : أليس قد كره بعضهم اللقاء يتزين لي وأتزين له . وقال : لقد استرحت ، ما جاءني الفرج إلا منذ حلفت أن لا أحدث ، وليتنا نترك ، الطريق ما كان عليه بشر بن الحارث . فقلت له : إن فلانا ، قال : لم يزهد أبو عبد الله في الدراهم وحدها ، قال : زهد في الناس . فقال : ومن أنا حتى أزهد في الناس ؟ الناس يريدون أن يزهدوا في .
وسمعته يكره للرجل النوم بعد العصر ، يخاف على عقله .
وقال : لا يفلح من تعاطى الكلام ، ولا يخلو من أن يتجهم وسئل عن القراءة بالألحان ، فقال : هذه بدعة لا تسمع .
ومن سيرته :
قال الخلال : قلت لزهير بن صالح : هل رأيت جدك ؟ قال : نعم .
مات وأنا في عشر سنين ، كنا ندخل إليه في كل يوم جمعة أنا وأخواني ، وكان بيننا وبينه باب ، وكان يكتب لكل واحد منا حبتين حبتين من فضة في رقعة إلى فامي يعامله . وربما مررت به وهو قاعد في الشمس ، وظهره مكشوف فيه أثر الضرب بين ، وكان لي أخ أصغر مني اسمه علي ، فأراد أبي أن يختنه ، فاتخذ له طعاما كثيرا ، ودعا قوما ، فوجه إليه جدي : بلغني ما أحدثته لهذا ، وأنك أسرفت ، فابدأ بالفقراء والضعفاء . فلما أن كان من الغد ، حضر الحجام ، وحضر أهلنا ، جاء جدي حتى جلس عند الصبي ، وأخرج صريرة ، فدفعها إلى الحجام ، وقام فنظر الحجام في الصريرة ، فإذا درهم واحد . وكنا قد رفعنا كثيرا من الفرش ، وكان الصبي على مصطبة مرتفعة من الثياب الملونة ، فلم ينكر ذلك .
وقدم علينا من خراسان ابن خالة جدي ، فنزل على أبي ، فدخلت معه إلى جدي ، فجاءت الجارية بطبق خلاف ، وعليه خبز وبقل وملح ، وبغضارة ، فوضعتها بين أيدينا، فيها مصلية فيها لحم وصلق كثير ، فأكل معنا ، وسأل ابن خالته عمن بقي من أهله بخراسان في خلال الأكل ، فربما استعجم عليه ، فيكلمه جدي بالفارسية ، ويضع اللحم بين يديه وبين يدي . ثم أخذ طبقا إلى جنبه ، فوضع فيه تمر وجوز ، وجعل يأكل ويناول الرجل .
قال الميموني : كثيرا ما كنت أسأل أبا عبد الله عن الشيء ، فيقول : لبيك لبيك .
وعن المروذي ، قال : لم أرَ الفقير في مجلس أعز منه في مجلس أحمد . كان مائلا إليهم ، مقصرا عن أهل الدنيا ، وكان فيه حلم ، ولم يكن بالعجول ، وكان كثير التواضع تعلوه السكينة والوقار ، وإذا جلس في مجلسه بعد العصر للفتيا لا يتكلم حتى يسأل ، وإذا خرج إلى مسجده لم يتصدر .
قال عبد الله : رأيت أبي حرج ع
الإثنين نوفمبر 10, 2014 11:44 pm من طرف meme cool
» ترحيب بأعضاء جدد
الأربعاء مايو 07, 2014 9:06 am من طرف انصيره
» ﴿ المورد في الكلام على عمل المولد ﴾
السبت أكتوبر 12, 2013 12:53 pm من طرف عزالدين القطعاني
» ترحيب بعضو جديد
الإثنين أبريل 22, 2013 10:12 pm من طرف انصيره
» المادة تربية إسلامية / الفصل الثاني / الدرس الأوّل عقيدة
الإثنين أبريل 22, 2013 6:44 pm من طرف احمد فؤاد
» ايام لاتنسى
الإثنين أبريل 22, 2013 3:36 pm من طرف احمد فؤاد
» موضوع هام جدا
السبت مارس 30, 2013 8:57 am من طرف المدير العام
» القول السوي في حكم الاحتفال بالمولد النبوي
الثلاثاء يناير 22, 2013 10:39 pm من طرف انصيره
» ترحيب بعضو جديد
الإثنين ديسمبر 31, 2012 8:41 pm من طرف انصيره
» الدعوة خاصه
الإثنين ديسمبر 03, 2012 6:31 pm من طرف المدير العام
» اصدقائي دعونا ننطلق من جديد.
الجمعة نوفمبر 30, 2012 11:27 am من طرف نائب المدير العام
» ترحيب بعضو جديد
الخميس نوفمبر 29, 2012 7:27 pm من طرف انصيره
» ترحيب بعضو جديد
الخميس نوفمبر 29, 2012 7:24 pm من طرف انصيره
» ترحيب بعضو جديد
الخميس نوفمبر 15, 2012 8:49 am من طرف انصيره
» ترحيب بأعضاء جدد
الإثنين نوفمبر 12, 2012 9:24 pm من طرف انصيره