الحمد لله حمداً طيباً مباركاً فيه والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن أقتفى أثره وإتبع هداه
أما بعد,
أعلم وفقك الله بتوفيقه بأن الله اصطفى لنبيه خير الرجال في زمانهم وجعلهم أعواناً وأصحاباً, فكانوا نعم العون وخير الصحب رضوان الله عنهم جميعاً مّن آمن منهم قبل الفتح أو بعده وكلاَّ وعد الله الحسنى, قال تعالى { لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ الله الْحُسْنَى وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }.
يقول الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله: وقد فسَّر {الحُسْنَى} في الآية بالجنَّة القرطبيُّ والشوكاني والشيخ عبد الرحمن بن سعدي في تفاسيرهم، وقد جاء في السُّنَّة تفسير {الحُسْنَى} في قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} بأنَّها الجنَّة، وذلك من حديث صُهيب رضي الله عنه عند الإمام مسلم.أهـ
وقد أجمع أهل العلم على أن الصحابي هو من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم ورآه ولو نظره ومات على ذلك.
وقد حكى الإجماع ابن حجر رحمه الله في الإصابة قائلاً:
[وأصحُّ ماوقفتُ عليه من ذلك أنَّ الصحابيَّ مَن لقي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على الإسلام، فيدخل فيمن لقيه مَن طالت مجالسته له أو قصُرت، ومن روى عنه أو لَم يروِ، ومن غزا معه أو لَم يغزُ، ومن رآه رُؤيةً ولو لَم يجالسْه، ومَن لَم يرَه لعارضٍ كالعمى, وهذا التعريفُ مَبنِيٌّ على الأصحِّ المختارِ عند المحقِّقين كالبخاري وشيخِه أحمدَ بن حنبل ومن تبعهما]. أهـ
وقد جاء عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله, ما نصه: [وكل من صحبه سنة أو شهرا أو يوما أو ساعة ، أو رآه فهو من أصحابه ، له من الصحبة على قدر ما صحبه ، وكانت سابقته معه ، وسمع منه ، ونظر إليه نظرة]. أهـ
وقد روى اللالكائي في كتابه شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة عن علي بن المديني رحمه الله قوله: [ ومَن صَحِبَه سَنةً أو شهراً أو ساعةً، أو رآه، أو وفد إليه فهو من أصحابه، له من الصُّحبة على قدر ما صحبَه]. أهـ
وفي مجموع الفتاوى نحو هذا عن شيخ الإسلام ابن تيمية: [والصحبة اسم جنس تقع على من صحب النبي صلى الله عليه وسلم قليلًا أو كثيرًا، لكن كل منهم له من الصحبة بقدر ذلك، فمن صحبه سنة أو شهرًا أو يوماً أو ساعة أو رآه مؤمنا، فله من الصحبة بقدر ذلك]. أهـ
ولتعلم رحمك الله بأنهم خير الناس وأعلمهم في هذه الأمة فقد أختارهم الله ليصحبوا خاتم النبيين ورسول العالمين ويستحيل أن يأتي ممن بعدهم بخير منهم ولو أتي بكل أنواع الخير, وهذا بأجماع أهل السنة والجماعة من سلفنا الصالح, وذلك بشهادة الشاهد على هذه الأمة نبينا صلى الله عليه وسلم,
أنه صح عنه قوله: ((خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء أقوام: تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته)), كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((يغزو فئام من الناس فيقولون: هل فيكم من صحب النبي صلى الله عليه وسلم؟), فيقولون: نعم، فيفتح لهم، ثم يغزو فئام من الناس فيقولون: هل فيكم من صحب من صحب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم، ثم يغزو فئام من الناس فيقولون: هل فيكم من صحب من صحب من صحب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم)).
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: إن الله نظر في قلب محمد فوجد قلبه خير قلوب العباد، فاصطفاه لرسالته، ثم نظر في قلوب الناس بعد قلبه، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فما رآه المؤمنون حسناً فهو عند الله حسن، وما رأوه قبيحاً فهو عند الله قبيح. أهـ
وقد أكد هذه الخيرية لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أتى بعدهم من التابعين وتابعي التابعين مصداقاً لقوله تعالى { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ },
فهذا أويس بن عامر التابعي الجليل بل قد رجح أهل العلم على أنه أفضل التابعين لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكره لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وأوصاه به وبأن يطلب منه أن يستغفر له وهو عمر الفاروق رضي الله عنه, ومع ذلك فأهل العلم لم يقدموا أويس على أدناهم صحبة رضوان الله عنهم, وقد صنف السلف أويساً على أنه سيد العباد بعد الصحابة كما حكى ذلك الشاطبي في الأعتصام.
وجاء عن الشافعي في رسالتة البغدادية بعد أن بين مكانة الصحابة, قال رحمة الله:[وقد أدَّوْا إلينا سُنَنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشاهَدُوه والوحْيُ ينزل عليه فعلموا ما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم عاماً وخاصاً وعَزْماً وإرشاداً، وعرفوا من سنته ما عرفنا وجهلنا، وهم فوقنا في كل علم واجتهاد ووَرَعٍ وعقل وأمر استدرك به علم واستنبط به].أهـ
وقال أبا عبد الله احمد ابن حنبل رحمه الله: [فأدناهم صحبة هو أفضل من القرن الذين لم يروه ، ولو لقوا الله بجميع الأعمال، ومن رآه بعينه وآمن به ولو ساعة ، أفضل لصحبتهم من التابعين، ولو عملوا كل أعمال الخير]. أهـ
وهذا الإمام ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله:
قال في مقدَّمة رسالته:[وأنَّ خيرَ القرون القرنُ الذين رأوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وآمنوا به، ثمَّ الذين يلونهم، ثمَّ الذين يلونهم، وأفضل الصحابة الخلفاءُ الراشدون المهديّون: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي رضي الله عنهم أجمعين، وأن لا يُذكر أحدٌ من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم إلاَّ بأحسن ذكرٍ، والإمساك عمَّا شجر بينهم، وأنَّهم أحقُّ الناس أن يُلتمس لهم أحسن المخارج، ويُظنَّ بهم أحسنَ المذاهب]. أهـ
كذلك قال الإمام ابن الإمام عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي رحمه الله:
قال في كتابه الجرح والتعديل: [فأمَّا أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم الذين شهدوا الوحيَ والتنزيلَ، وعرفوا التفسيرَ والتأويلَ، وهم الذين اختارهم الله عزَّ وجلَّ لصحبة نبيِّه صلى الله عليه وسلم ونصرتِه وإقامةِ دينه وإظهارِ حقِّه، فرضيهم له صحابةً، وجعلهم لنا أعلاماً وقدوةً، فحفظوا عنه صلى الله عليه وسلم ما بلَّغهم عن الله عزَّ وجلَّ، وما سنَّ وشرع وحكم وقضى وندب وأمر ونهى وحظر وأدّب، ووعَوْه وأتقنوه، ففقهوا في الدين، وعلموا أمرَ الله ونهيه ومراده بمعاينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشاهدتهم منه تفسيرَ الكتاب وتأويله، وتلقّفهم منه واستنباطهم عنه، فشرَّفهم الله عزَّ وجلَّ بما مَنَّ عليهم وأكرمهم به من وضعه إيَّاهم موضع القدوة, فكانوا عدولَ الأمَّة وأئمَّةَ الهدى وحججَ الدِّين ونقلةَ الكتاب والسنة]. أهـ
يقول ابن كثير رحمه الله في تفسيره لآخر آية في سورة الحجر قوله تعالى { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ }:فإن الأنبياء عليهم السلام كانوا هم وأصحابهم أعلم الناس بالله وأعرفهم بحقوقه وصفاته, وما يستحق من التعظيم, وكانوا مع هذا أعبد وأكثر الناس عبادة ومواظبة على فعل الخيرات إلى حين الوفاة.أهـ
ولابد أن تعرف أرشدك الله الى الحق, عِظم هؤلاء الرجال كما سماهم الله من فوق سبع سماوات بقوله سبحانه { رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ }, فهم الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاهدوا معه وذبوا عنه كل أذى الى أن نصره الله وأمكنه من نشر دعوة التوحيد ورسالة الاسلام, ثم أكملوا المسير من بعده على خير وجه, فهم السابقون شهود هذه الرسالة وحملتها رضي الله عنهم وأرضاهم كما قال تعالى وكفى بالله قيلا { وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلاَْوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَـٰجِرِينَ وَٱلأَنْصَـٰرِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا ٱلأَنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذَٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } وقال عز من قائل { لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ أَعَدَّ الله لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ}.يقول ربنا العليم الحكيم { رَّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ } ويقول سبحانه { وَأُولَئِكَ لَهُمُ الخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ }
فمن يستطيع الطعن فيهم بعد هذه الشهادة, ومن يذمهم بعد هذا المدح الرباني!!؟
ولكن للأسف تجد بعض المتعالمين اليوم يغفلون أو يتغافلون عن هذا القدر العظيم وهذا المنزلة الجليلة لهؤلاء العظام رضوان الله تعالى عنهم, فيقدحون في صحابة رسول الله تلميحاً لا تصريحاً بل وبعضهم تصريحاً ويحتج بأنهم ليسوا سواء وهم والله سواء في محبتنا لهم والإمساك عما شجر بينهم وذكرهم بالخير والترضي عليهم أذا ذُكروا, بل وفي أخذ العلم عنهم لان العدالة تقاس بهم فكلهم عدول وهذا بإجماع أهل العلم, ولم يخالف إلا شرذمه من أهل السوء.
قال ابن عبد البر في التمهيد: [ولا فرق بين أن يُسمِّي التابعُ الصاحبَ الذي حدَّثه أو لا يُسميه في وجوب العمل بحديثه؛ لأنَّ الصحابةَ كلَّهم عدولٌ مرضيُّون ثقاتٌ أثباتٌ، وهذا أمر مجتمعٌ عليه عند أهل العلم بالحديث]. أهـ
وقال القرطبي في تفسيره: [فالصحابة كلُّهم عدولٌ، أولياء الله تعالى وأصفياؤه، وخِيرتُه من خلقه بعد أنبيائه ورسله، هذا مذهب أهل السنَّة والذي عليه الجماعة من أئمَّة هذه الأمَّة، وقد ذهبت شِرذمةٌ لا مبالاة بهم إلى أنَّ حالَ الصحابة كحال غيرهم، فيلزم البحث عن عدالتهم!!]. أهـ
وقال الحافظ ابن حجر في الإصابة: [واتَّفق أهلُ السنَّة على أنَّ الجميعَ عدولٌ، ولَم يخالف في ذلك إلاَّ شذوذ من المبتدعة]. أهـ
وقال أبو عمرو بن الصلاح في علوم الحديث: [ للصحابة بأسرهم خصيصة، وهي أنَّه لا يُسأل عن عدالة أحدٍ منهم، بل ذلك أمر مفروغ منه؛ لكونهم على الإطلاق
معدَّلين بنصوص الكتاب والسنة إجماع من يُعتدُّ به في الإجماع من الأمَّة, ثمَّ إنَّ الأمَّةَ مجمعةٌ على تعديلِ جميع الصحابة، ومَن لابس الفتنَ منهم فكذلك بإجماع العلماء الذين يُعتدُّ بهم في الإجماع؛ إحساناً للظَّنِّ بهم، ونظراً إلى ما تمهّد لهم من المآثر، وكأنَّ الله سبحانه وتعالى أتاح الإجماعَ على ذلك لكونهم نقلة الشريعة، والله أعلم].أهـ
وقال النووي في شرحه على مسلم: [ولهذا اتَّفق أهلُ الحقِّ ومن يُعتدُّ به في الإجماع على قبول شهاداتهم ورواياتهم وكمال عدالتهم، رضي الله عنهم أجمعين].أهـ
ونقل الخطيب عن الحسين بن إدريس قال: [وسألتُه يعني محمد بن عبد الله بن عمار: إذا كان الحديثُ عن رجلٍ من أصحاب النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أيكون ذلك حجَّة؟ قال: نعم! وإن لَم يسمِّه؛ فإنَّ جميعَ أصحاب النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كلّهم حجّة].أهـ
وقد ثبت عن جمع من أهل السنة حجية قول الصحابي أذا لم يخالفة صحابي أخر, ويقدمون قول الخلفاء الراشدين وعلماء الصحابة في حال الاختلاف ما لم يخالف النص من الكتاب أو السنة, لقوله صلى الله عليه وسلم : ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي)) وقوله عليه الصلاة والسلام: ((واهْتَدُوا بهَدْي عمار، وتمسكوا بعهد ابن أم عَبْد)) وهو ابن مسعود رضي الله عنه, وثبت عنه صلى الله عليه وسلم قوله عن ابن عمر رضي الله عنهما: ((عبدالله رجل صالح لولا أن يقوم من الليل)) فما ترك قيام الليل رضي الله عنه, وصح عن النبي عليه الصلاة والسلام دعاءه لابن عباس رضي الله عنهما: ((اللهم علمه الحكمه وتأويل الكتاب)) فلذلك يقدم فهم ابن عباس في تفسير القرآن فهو ترجمان القرآن كما وصفه بذلك ابن مسعود رضي الله عنهم أجمعين.
فكيف لا يكون قولهم حجه وهم شهدوا المشاهد مع النبي عليه الصلاة والسلام وسمعوا القرآن غضاً طرياً بصوت رسول الله عليه الصلاة والسلام, بل هم العرب الاقحاح أهل اللغه الأصليين الذين نزل القرآن بلغتهم المتداوله ذلك الوقت, وقد ظهرت فئة من أهل الضلال هذه الأيام يقولون بل ويدعون الى مراجعة جميع أقوال الصحابة ولم يستثنوا أحداً منهم ساء ما يقولون!!
يقول الشافعي في رسالتة البغدادية: [فآراؤهم لنا أحمد، وأولى بنا من رأينا عند أنفسنا، ومَنْ أدركنا ـ من التابعين أو تابعيهم ـ ممن يرضى أو حكى لنا عنه ببلدنا صاروا فيما لم يعلموا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيه سنة إلى قولهم إن اجتمعوا، أو قول بعضِهم إن تفرقوا، وهكذا نقول، ولم نخرج عن أقاويلهم، وإن قال أحدهم ولم يخالفه غيره أخدنا بقوله].أهـ
قال البر بهاري رحمه الله في شرح السنة:
[فمن زعم أنه قد بقي شيء من أمر الإسلام لم يكفوناه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كذبهم وكفى بهذا فرقة وطعنا عليهم فهو مبتدع ضال مضل].أهـ
وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يؤكد هذا القول في مجموع الفتاوى بقوله: [فكل من كان إلى الأنبياء أقرب مع كمال فطرته, كان تلقيه عنهم أعظم، وما يحسن فيه هو من الفضائل الدينية، المأخوذة عن الأنبياء؛ ولهذا كان من يخالف ذلك هو من المبتدعة.]أهـ
ويقول رحمه الله في موضع أخر من الفتاوى:
[فمن جعل طريق أحد من العلماء والفقهاء أو طريق أحد من العباد والنُسَّاك أفضل من طريق الصحابة فهو مخطئ، ضال مبتدع].أهـ
ويقول ابن القيم رحمه الله واصفاً الصحابة الكرام:
[فهم بَرْكُ الإسلام وَعِصَابة الإيمان، وعَسْكر القرآن، وجند الرحمن، أولئك أصحابه صلى الله عليه وسلم، ألْيَنُ الأمة قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، وأحسنها بياناً، وأصدقها إيماناً، وأعمها نصيحةً، وأقربها إلى الله وسيلة]. أهـ
ويقول رحمه الله أيضاً:
[فإنهم إنما استحقوا منصب الإمامة والاقتداء بهم بكونهم هم السابقين، وهذه صفة موجودة في كل واحد منهم، فوجب أن يكون كل منهم إماماً للمتقين كما استوجب الرضوان والجنة, فمستندهم في معرفة مُرَاد الرب تعالى من كلامه ما يشاهدونه من فعل رسوله وهديه الذي هو يفصل القرآن ويُفَسره، فكيف يكون أحد من الأمة بعدهم أوْلى بالصواب منهم في شيء من الأشياء؟ هذا عين المحال, فكيف نكون نحن أو شيوخنا أو شيوخهم أو مَنْ قلدناه أسْعَدَ بالصواب منهم في مسألة من المسائل؟ ومَنْ حَدَّث نفسه بهذا فليعزلها من الدين والعمل، والله المستعان]. أهـ
فهذا رداً جامعاً بليغ من الفهامة ابن القيم رحمه الله على كل من يدّعي بأنه لا يحتج بقولهم ولا يعتبر فهمهم خير من فهم غيرهم, أو من يقول نحن رجال وهم رجال فشتان بينهم رضوان الله وتعالى عنهم وبين باقي الرجال.
فاستمسك رعاك الله بقول أسلافنا الصالحين في هذا الأصل ألا وهو مكانة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والإيمان بأنهم بلغوا ما سمعوا على أكمل وجه, فواجبنا تجاههم الإقتداء بهم والترضي عليهم والأحتجاج بفهمهم والسير على سبيلهم الذي هو سبيل المؤمنين المذكور في القرآن العظيم.
وخير ما أختم به في بيان هذا الأصل قول شيخ الإسلام وعلامة الزمان ابن تيمية الحراني ففي قوله في هذا الأصل عصمة من كل زله, يقول رحمه الله في مجموع الفتاوى عن أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام وواجبنا نحوهم:
[ومن أصول أهل السنة والجماعة, سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما وصفهم الله به في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ},
وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده، لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهالا ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نَصِيفَه).
ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع، من فضائلهم ومراتبهم، فيفضلون من أنفق من قبل الفتح وقاتل على من أنفق من بعده وقاتل، ويقدمون المهاجرين على الأنصار، ويؤمنون بأن الله قال لأهل بدر ـ وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر ـ: (اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)، وبأنه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة، كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، بل قد رضي الله عنهم ورضوا عنه، وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة.
ويشهدون بالجنة لمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، كالعشرة، وكثابت بن قيس بن شماس، وغيرهم من الصحابة.
ويقرون بما تواتر به النقل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ وعن غيره، من أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، ثم عمر، ويثلثون بعثمان، ويربعون بعلي رضي الله عنهم, كما دلت عليه الآثار وكما أجمع الصحابة, وذلك أنهم يؤمنون بأن الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، ومن طعن في خلافة أحد من هؤلاء الأئمة فهو أضل من حمار أهله.
ويحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتولونهم، ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال يوم غَدِير خُمّ: (أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي)، وقال ـ أيضًا ـ للعباس عمه ـ وقد اشتكى إليه أن بعض قريش يجفو بني هاشم ـ فقال: (والذي نفسي بيده، لا يؤمنون حتى يحبوكم لله ولقرابتي)، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله اصطفى بني إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشًا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم).
ويتولون أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين، ويؤمنون بأنهن أزواجه في الآخرة، خصوصًا خديجة ـ رضي الله عنها ـ أم أكثر أولاده، وأول من آمن به وعاضده على أمره، وكان لها منه المنزلة العالية.
والصديقة بنت الصديق ـ رضي الله عنهما ـ التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام).
ويتبرؤون من طريقة الروافض، الذين يبغضون الصحابة ويسبونهم، ومن طريقة النواصب، الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل،
ويمسكون عما شجر بين الصحابة.ويقولون: إن هذه الآثار المروية في مساويهم منها ما هو كذب، ومنها ما قد زيد فيه ونقص وغير عن وجهه والصحيح منه هم فيه معذورون، إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون]. أهـ
وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبة ومن تبع هداه وأقتفى أثره وسلم تسليماً كثيراً
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
أما بعد,
أعلم وفقك الله بتوفيقه بأن الله اصطفى لنبيه خير الرجال في زمانهم وجعلهم أعواناً وأصحاباً, فكانوا نعم العون وخير الصحب رضوان الله عنهم جميعاً مّن آمن منهم قبل الفتح أو بعده وكلاَّ وعد الله الحسنى, قال تعالى { لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ الله الْحُسْنَى وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }.
يقول الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله: وقد فسَّر {الحُسْنَى} في الآية بالجنَّة القرطبيُّ والشوكاني والشيخ عبد الرحمن بن سعدي في تفاسيرهم، وقد جاء في السُّنَّة تفسير {الحُسْنَى} في قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} بأنَّها الجنَّة، وذلك من حديث صُهيب رضي الله عنه عند الإمام مسلم.أهـ
وقد أجمع أهل العلم على أن الصحابي هو من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم ورآه ولو نظره ومات على ذلك.
وقد حكى الإجماع ابن حجر رحمه الله في الإصابة قائلاً:
[وأصحُّ ماوقفتُ عليه من ذلك أنَّ الصحابيَّ مَن لقي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على الإسلام، فيدخل فيمن لقيه مَن طالت مجالسته له أو قصُرت، ومن روى عنه أو لَم يروِ، ومن غزا معه أو لَم يغزُ، ومن رآه رُؤيةً ولو لَم يجالسْه، ومَن لَم يرَه لعارضٍ كالعمى, وهذا التعريفُ مَبنِيٌّ على الأصحِّ المختارِ عند المحقِّقين كالبخاري وشيخِه أحمدَ بن حنبل ومن تبعهما]. أهـ
وقد جاء عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله, ما نصه: [وكل من صحبه سنة أو شهرا أو يوما أو ساعة ، أو رآه فهو من أصحابه ، له من الصحبة على قدر ما صحبه ، وكانت سابقته معه ، وسمع منه ، ونظر إليه نظرة]. أهـ
وقد روى اللالكائي في كتابه شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة عن علي بن المديني رحمه الله قوله: [ ومَن صَحِبَه سَنةً أو شهراً أو ساعةً، أو رآه، أو وفد إليه فهو من أصحابه، له من الصُّحبة على قدر ما صحبَه]. أهـ
وفي مجموع الفتاوى نحو هذا عن شيخ الإسلام ابن تيمية: [والصحبة اسم جنس تقع على من صحب النبي صلى الله عليه وسلم قليلًا أو كثيرًا، لكن كل منهم له من الصحبة بقدر ذلك، فمن صحبه سنة أو شهرًا أو يوماً أو ساعة أو رآه مؤمنا، فله من الصحبة بقدر ذلك]. أهـ
ولتعلم رحمك الله بأنهم خير الناس وأعلمهم في هذه الأمة فقد أختارهم الله ليصحبوا خاتم النبيين ورسول العالمين ويستحيل أن يأتي ممن بعدهم بخير منهم ولو أتي بكل أنواع الخير, وهذا بأجماع أهل السنة والجماعة من سلفنا الصالح, وذلك بشهادة الشاهد على هذه الأمة نبينا صلى الله عليه وسلم,
أنه صح عنه قوله: ((خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء أقوام: تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته)), كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((يغزو فئام من الناس فيقولون: هل فيكم من صحب النبي صلى الله عليه وسلم؟), فيقولون: نعم، فيفتح لهم، ثم يغزو فئام من الناس فيقولون: هل فيكم من صحب من صحب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم، ثم يغزو فئام من الناس فيقولون: هل فيكم من صحب من صحب من صحب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم)).
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: إن الله نظر في قلب محمد فوجد قلبه خير قلوب العباد، فاصطفاه لرسالته، ثم نظر في قلوب الناس بعد قلبه، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فما رآه المؤمنون حسناً فهو عند الله حسن، وما رأوه قبيحاً فهو عند الله قبيح. أهـ
وقد أكد هذه الخيرية لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أتى بعدهم من التابعين وتابعي التابعين مصداقاً لقوله تعالى { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ },
فهذا أويس بن عامر التابعي الجليل بل قد رجح أهل العلم على أنه أفضل التابعين لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكره لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وأوصاه به وبأن يطلب منه أن يستغفر له وهو عمر الفاروق رضي الله عنه, ومع ذلك فأهل العلم لم يقدموا أويس على أدناهم صحبة رضوان الله عنهم, وقد صنف السلف أويساً على أنه سيد العباد بعد الصحابة كما حكى ذلك الشاطبي في الأعتصام.
وجاء عن الشافعي في رسالتة البغدادية بعد أن بين مكانة الصحابة, قال رحمة الله:[وقد أدَّوْا إلينا سُنَنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشاهَدُوه والوحْيُ ينزل عليه فعلموا ما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم عاماً وخاصاً وعَزْماً وإرشاداً، وعرفوا من سنته ما عرفنا وجهلنا، وهم فوقنا في كل علم واجتهاد ووَرَعٍ وعقل وأمر استدرك به علم واستنبط به].أهـ
وقال أبا عبد الله احمد ابن حنبل رحمه الله: [فأدناهم صحبة هو أفضل من القرن الذين لم يروه ، ولو لقوا الله بجميع الأعمال، ومن رآه بعينه وآمن به ولو ساعة ، أفضل لصحبتهم من التابعين، ولو عملوا كل أعمال الخير]. أهـ
وهذا الإمام ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله:
قال في مقدَّمة رسالته:[وأنَّ خيرَ القرون القرنُ الذين رأوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وآمنوا به، ثمَّ الذين يلونهم، ثمَّ الذين يلونهم، وأفضل الصحابة الخلفاءُ الراشدون المهديّون: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي رضي الله عنهم أجمعين، وأن لا يُذكر أحدٌ من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم إلاَّ بأحسن ذكرٍ، والإمساك عمَّا شجر بينهم، وأنَّهم أحقُّ الناس أن يُلتمس لهم أحسن المخارج، ويُظنَّ بهم أحسنَ المذاهب]. أهـ
كذلك قال الإمام ابن الإمام عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي رحمه الله:
قال في كتابه الجرح والتعديل: [فأمَّا أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم الذين شهدوا الوحيَ والتنزيلَ، وعرفوا التفسيرَ والتأويلَ، وهم الذين اختارهم الله عزَّ وجلَّ لصحبة نبيِّه صلى الله عليه وسلم ونصرتِه وإقامةِ دينه وإظهارِ حقِّه، فرضيهم له صحابةً، وجعلهم لنا أعلاماً وقدوةً، فحفظوا عنه صلى الله عليه وسلم ما بلَّغهم عن الله عزَّ وجلَّ، وما سنَّ وشرع وحكم وقضى وندب وأمر ونهى وحظر وأدّب، ووعَوْه وأتقنوه، ففقهوا في الدين، وعلموا أمرَ الله ونهيه ومراده بمعاينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشاهدتهم منه تفسيرَ الكتاب وتأويله، وتلقّفهم منه واستنباطهم عنه، فشرَّفهم الله عزَّ وجلَّ بما مَنَّ عليهم وأكرمهم به من وضعه إيَّاهم موضع القدوة, فكانوا عدولَ الأمَّة وأئمَّةَ الهدى وحججَ الدِّين ونقلةَ الكتاب والسنة]. أهـ
يقول ابن كثير رحمه الله في تفسيره لآخر آية في سورة الحجر قوله تعالى { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ }:فإن الأنبياء عليهم السلام كانوا هم وأصحابهم أعلم الناس بالله وأعرفهم بحقوقه وصفاته, وما يستحق من التعظيم, وكانوا مع هذا أعبد وأكثر الناس عبادة ومواظبة على فعل الخيرات إلى حين الوفاة.أهـ
ولابد أن تعرف أرشدك الله الى الحق, عِظم هؤلاء الرجال كما سماهم الله من فوق سبع سماوات بقوله سبحانه { رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ }, فهم الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاهدوا معه وذبوا عنه كل أذى الى أن نصره الله وأمكنه من نشر دعوة التوحيد ورسالة الاسلام, ثم أكملوا المسير من بعده على خير وجه, فهم السابقون شهود هذه الرسالة وحملتها رضي الله عنهم وأرضاهم كما قال تعالى وكفى بالله قيلا { وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلاَْوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَـٰجِرِينَ وَٱلأَنْصَـٰرِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا ٱلأَنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذَٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } وقال عز من قائل { لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ أَعَدَّ الله لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ}.يقول ربنا العليم الحكيم { رَّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ } ويقول سبحانه { وَأُولَئِكَ لَهُمُ الخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ }
فمن يستطيع الطعن فيهم بعد هذه الشهادة, ومن يذمهم بعد هذا المدح الرباني!!؟
ولكن للأسف تجد بعض المتعالمين اليوم يغفلون أو يتغافلون عن هذا القدر العظيم وهذا المنزلة الجليلة لهؤلاء العظام رضوان الله تعالى عنهم, فيقدحون في صحابة رسول الله تلميحاً لا تصريحاً بل وبعضهم تصريحاً ويحتج بأنهم ليسوا سواء وهم والله سواء في محبتنا لهم والإمساك عما شجر بينهم وذكرهم بالخير والترضي عليهم أذا ذُكروا, بل وفي أخذ العلم عنهم لان العدالة تقاس بهم فكلهم عدول وهذا بإجماع أهل العلم, ولم يخالف إلا شرذمه من أهل السوء.
قال ابن عبد البر في التمهيد: [ولا فرق بين أن يُسمِّي التابعُ الصاحبَ الذي حدَّثه أو لا يُسميه في وجوب العمل بحديثه؛ لأنَّ الصحابةَ كلَّهم عدولٌ مرضيُّون ثقاتٌ أثباتٌ، وهذا أمر مجتمعٌ عليه عند أهل العلم بالحديث]. أهـ
وقال القرطبي في تفسيره: [فالصحابة كلُّهم عدولٌ، أولياء الله تعالى وأصفياؤه، وخِيرتُه من خلقه بعد أنبيائه ورسله، هذا مذهب أهل السنَّة والذي عليه الجماعة من أئمَّة هذه الأمَّة، وقد ذهبت شِرذمةٌ لا مبالاة بهم إلى أنَّ حالَ الصحابة كحال غيرهم، فيلزم البحث عن عدالتهم!!]. أهـ
وقال الحافظ ابن حجر في الإصابة: [واتَّفق أهلُ السنَّة على أنَّ الجميعَ عدولٌ، ولَم يخالف في ذلك إلاَّ شذوذ من المبتدعة]. أهـ
وقال أبو عمرو بن الصلاح في علوم الحديث: [ للصحابة بأسرهم خصيصة، وهي أنَّه لا يُسأل عن عدالة أحدٍ منهم، بل ذلك أمر مفروغ منه؛ لكونهم على الإطلاق
معدَّلين بنصوص الكتاب والسنة إجماع من يُعتدُّ به في الإجماع من الأمَّة, ثمَّ إنَّ الأمَّةَ مجمعةٌ على تعديلِ جميع الصحابة، ومَن لابس الفتنَ منهم فكذلك بإجماع العلماء الذين يُعتدُّ بهم في الإجماع؛ إحساناً للظَّنِّ بهم، ونظراً إلى ما تمهّد لهم من المآثر، وكأنَّ الله سبحانه وتعالى أتاح الإجماعَ على ذلك لكونهم نقلة الشريعة، والله أعلم].أهـ
وقال النووي في شرحه على مسلم: [ولهذا اتَّفق أهلُ الحقِّ ومن يُعتدُّ به في الإجماع على قبول شهاداتهم ورواياتهم وكمال عدالتهم، رضي الله عنهم أجمعين].أهـ
ونقل الخطيب عن الحسين بن إدريس قال: [وسألتُه يعني محمد بن عبد الله بن عمار: إذا كان الحديثُ عن رجلٍ من أصحاب النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أيكون ذلك حجَّة؟ قال: نعم! وإن لَم يسمِّه؛ فإنَّ جميعَ أصحاب النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كلّهم حجّة].أهـ
وقد ثبت عن جمع من أهل السنة حجية قول الصحابي أذا لم يخالفة صحابي أخر, ويقدمون قول الخلفاء الراشدين وعلماء الصحابة في حال الاختلاف ما لم يخالف النص من الكتاب أو السنة, لقوله صلى الله عليه وسلم : ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي)) وقوله عليه الصلاة والسلام: ((واهْتَدُوا بهَدْي عمار، وتمسكوا بعهد ابن أم عَبْد)) وهو ابن مسعود رضي الله عنه, وثبت عنه صلى الله عليه وسلم قوله عن ابن عمر رضي الله عنهما: ((عبدالله رجل صالح لولا أن يقوم من الليل)) فما ترك قيام الليل رضي الله عنه, وصح عن النبي عليه الصلاة والسلام دعاءه لابن عباس رضي الله عنهما: ((اللهم علمه الحكمه وتأويل الكتاب)) فلذلك يقدم فهم ابن عباس في تفسير القرآن فهو ترجمان القرآن كما وصفه بذلك ابن مسعود رضي الله عنهم أجمعين.
فكيف لا يكون قولهم حجه وهم شهدوا المشاهد مع النبي عليه الصلاة والسلام وسمعوا القرآن غضاً طرياً بصوت رسول الله عليه الصلاة والسلام, بل هم العرب الاقحاح أهل اللغه الأصليين الذين نزل القرآن بلغتهم المتداوله ذلك الوقت, وقد ظهرت فئة من أهل الضلال هذه الأيام يقولون بل ويدعون الى مراجعة جميع أقوال الصحابة ولم يستثنوا أحداً منهم ساء ما يقولون!!
يقول الشافعي في رسالتة البغدادية: [فآراؤهم لنا أحمد، وأولى بنا من رأينا عند أنفسنا، ومَنْ أدركنا ـ من التابعين أو تابعيهم ـ ممن يرضى أو حكى لنا عنه ببلدنا صاروا فيما لم يعلموا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيه سنة إلى قولهم إن اجتمعوا، أو قول بعضِهم إن تفرقوا، وهكذا نقول، ولم نخرج عن أقاويلهم، وإن قال أحدهم ولم يخالفه غيره أخدنا بقوله].أهـ
قال البر بهاري رحمه الله في شرح السنة:
[فمن زعم أنه قد بقي شيء من أمر الإسلام لم يكفوناه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كذبهم وكفى بهذا فرقة وطعنا عليهم فهو مبتدع ضال مضل].أهـ
وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يؤكد هذا القول في مجموع الفتاوى بقوله: [فكل من كان إلى الأنبياء أقرب مع كمال فطرته, كان تلقيه عنهم أعظم، وما يحسن فيه هو من الفضائل الدينية، المأخوذة عن الأنبياء؛ ولهذا كان من يخالف ذلك هو من المبتدعة.]أهـ
ويقول رحمه الله في موضع أخر من الفتاوى:
[فمن جعل طريق أحد من العلماء والفقهاء أو طريق أحد من العباد والنُسَّاك أفضل من طريق الصحابة فهو مخطئ، ضال مبتدع].أهـ
ويقول ابن القيم رحمه الله واصفاً الصحابة الكرام:
[فهم بَرْكُ الإسلام وَعِصَابة الإيمان، وعَسْكر القرآن، وجند الرحمن، أولئك أصحابه صلى الله عليه وسلم، ألْيَنُ الأمة قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، وأحسنها بياناً، وأصدقها إيماناً، وأعمها نصيحةً، وأقربها إلى الله وسيلة]. أهـ
ويقول رحمه الله أيضاً:
[فإنهم إنما استحقوا منصب الإمامة والاقتداء بهم بكونهم هم السابقين، وهذه صفة موجودة في كل واحد منهم، فوجب أن يكون كل منهم إماماً للمتقين كما استوجب الرضوان والجنة, فمستندهم في معرفة مُرَاد الرب تعالى من كلامه ما يشاهدونه من فعل رسوله وهديه الذي هو يفصل القرآن ويُفَسره، فكيف يكون أحد من الأمة بعدهم أوْلى بالصواب منهم في شيء من الأشياء؟ هذا عين المحال, فكيف نكون نحن أو شيوخنا أو شيوخهم أو مَنْ قلدناه أسْعَدَ بالصواب منهم في مسألة من المسائل؟ ومَنْ حَدَّث نفسه بهذا فليعزلها من الدين والعمل، والله المستعان]. أهـ
فهذا رداً جامعاً بليغ من الفهامة ابن القيم رحمه الله على كل من يدّعي بأنه لا يحتج بقولهم ولا يعتبر فهمهم خير من فهم غيرهم, أو من يقول نحن رجال وهم رجال فشتان بينهم رضوان الله وتعالى عنهم وبين باقي الرجال.
فاستمسك رعاك الله بقول أسلافنا الصالحين في هذا الأصل ألا وهو مكانة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والإيمان بأنهم بلغوا ما سمعوا على أكمل وجه, فواجبنا تجاههم الإقتداء بهم والترضي عليهم والأحتجاج بفهمهم والسير على سبيلهم الذي هو سبيل المؤمنين المذكور في القرآن العظيم.
وخير ما أختم به في بيان هذا الأصل قول شيخ الإسلام وعلامة الزمان ابن تيمية الحراني ففي قوله في هذا الأصل عصمة من كل زله, يقول رحمه الله في مجموع الفتاوى عن أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام وواجبنا نحوهم:
[ومن أصول أهل السنة والجماعة, سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما وصفهم الله به في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ},
وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده، لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهالا ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نَصِيفَه).
ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع، من فضائلهم ومراتبهم، فيفضلون من أنفق من قبل الفتح وقاتل على من أنفق من بعده وقاتل، ويقدمون المهاجرين على الأنصار، ويؤمنون بأن الله قال لأهل بدر ـ وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر ـ: (اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)، وبأنه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة، كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، بل قد رضي الله عنهم ورضوا عنه، وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة.
ويشهدون بالجنة لمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، كالعشرة، وكثابت بن قيس بن شماس، وغيرهم من الصحابة.
ويقرون بما تواتر به النقل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ وعن غيره، من أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، ثم عمر، ويثلثون بعثمان، ويربعون بعلي رضي الله عنهم, كما دلت عليه الآثار وكما أجمع الصحابة, وذلك أنهم يؤمنون بأن الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، ومن طعن في خلافة أحد من هؤلاء الأئمة فهو أضل من حمار أهله.
ويحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتولونهم، ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال يوم غَدِير خُمّ: (أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي)، وقال ـ أيضًا ـ للعباس عمه ـ وقد اشتكى إليه أن بعض قريش يجفو بني هاشم ـ فقال: (والذي نفسي بيده، لا يؤمنون حتى يحبوكم لله ولقرابتي)، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله اصطفى بني إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشًا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم).
ويتولون أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين، ويؤمنون بأنهن أزواجه في الآخرة، خصوصًا خديجة ـ رضي الله عنها ـ أم أكثر أولاده، وأول من آمن به وعاضده على أمره، وكان لها منه المنزلة العالية.
والصديقة بنت الصديق ـ رضي الله عنهما ـ التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام).
ويتبرؤون من طريقة الروافض، الذين يبغضون الصحابة ويسبونهم، ومن طريقة النواصب، الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل،
ويمسكون عما شجر بين الصحابة.ويقولون: إن هذه الآثار المروية في مساويهم منها ما هو كذب، ومنها ما قد زيد فيه ونقص وغير عن وجهه والصحيح منه هم فيه معذورون، إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون]. أهـ
وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبة ومن تبع هداه وأقتفى أثره وسلم تسليماً كثيراً
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
الإثنين نوفمبر 10, 2014 11:44 pm من طرف meme cool
» ترحيب بأعضاء جدد
الأربعاء مايو 07, 2014 9:06 am من طرف انصيره
» ﴿ المورد في الكلام على عمل المولد ﴾
السبت أكتوبر 12, 2013 12:53 pm من طرف عزالدين القطعاني
» ترحيب بعضو جديد
الإثنين أبريل 22, 2013 10:12 pm من طرف انصيره
» المادة تربية إسلامية / الفصل الثاني / الدرس الأوّل عقيدة
الإثنين أبريل 22, 2013 6:44 pm من طرف احمد فؤاد
» ايام لاتنسى
الإثنين أبريل 22, 2013 3:36 pm من طرف احمد فؤاد
» موضوع هام جدا
السبت مارس 30, 2013 8:57 am من طرف المدير العام
» القول السوي في حكم الاحتفال بالمولد النبوي
الثلاثاء يناير 22, 2013 10:39 pm من طرف انصيره
» ترحيب بعضو جديد
الإثنين ديسمبر 31, 2012 8:41 pm من طرف انصيره
» الدعوة خاصه
الإثنين ديسمبر 03, 2012 6:31 pm من طرف المدير العام
» اصدقائي دعونا ننطلق من جديد.
الجمعة نوفمبر 30, 2012 11:27 am من طرف نائب المدير العام
» ترحيب بعضو جديد
الخميس نوفمبر 29, 2012 7:27 pm من طرف انصيره
» ترحيب بعضو جديد
الخميس نوفمبر 29, 2012 7:24 pm من طرف انصيره
» ترحيب بعضو جديد
الخميس نوفمبر 15, 2012 8:49 am من طرف انصيره
» ترحيب بأعضاء جدد
الإثنين نوفمبر 12, 2012 9:24 pm من طرف انصيره