مـــــــنتدى مـــــــــــــدرسة القرضــــــــــابية للتعـــــــــــليم الثانـــــــــوى

اهلا وسهلا بك عزيزي الزائر في منتديات"منتدى مدرسة القرضابية للتعليم التخصصى.المرج _ليبيا"
يرجي التكرم بزيارة صفحة التسجيل..حتي يصبح بامكانك المشاركة معنا. والاستفادة والافادة.او يمكنك
تصفح المنتدي واختيار القسم الذي تريده ادناه..مع تمنياتنا لك بقضاء امتع الاوقات..وتذكر قوله تعالي---
...( *=== (( مَا يلفظُ مِنْ قَولٍ إِلاَ لَدَيهِ رَقِيبٌ عَتِيدْ )) ===*


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

مـــــــنتدى مـــــــــــــدرسة القرضــــــــــابية للتعـــــــــــليم الثانـــــــــوى

اهلا وسهلا بك عزيزي الزائر في منتديات"منتدى مدرسة القرضابية للتعليم التخصصى.المرج _ليبيا"
يرجي التكرم بزيارة صفحة التسجيل..حتي يصبح بامكانك المشاركة معنا. والاستفادة والافادة.او يمكنك
تصفح المنتدي واختيار القسم الذي تريده ادناه..مع تمنياتنا لك بقضاء امتع الاوقات..وتذكر قوله تعالي---
...( *=== (( مَا يلفظُ مِنْ قَولٍ إِلاَ لَدَيهِ رَقِيبٌ عَتِيدْ )) ===*

مـــــــنتدى مـــــــــــــدرسة القرضــــــــــابية للتعـــــــــــليم الثانـــــــــوى

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
مـــــــنتدى مـــــــــــــدرسة القرضــــــــــابية للتعـــــــــــليم الثانـــــــــوى

مــــــــنتدى مـــــــــــــدرسة القرضـــــــــابية للتعـــــــــــليم الثانـــــــــوى

المواضيع الأخيرة

» رسـالة مـن طالب ثالثه تانـوي قسم علمي 2014/2015
من تراجم العلماء أحمد بن حنبل (3) " المحنة Emptyالإثنين نوفمبر 10, 2014 11:44 pm من طرف meme cool

» ترحيب بأعضاء جدد
من تراجم العلماء أحمد بن حنبل (3) " المحنة Emptyالأربعاء مايو 07, 2014 9:06 am من طرف انصيره

» ﴿ المورد في الكلام على عمل المولد ﴾
من تراجم العلماء أحمد بن حنبل (3) " المحنة Emptyالسبت أكتوبر 12, 2013 12:53 pm من طرف عزالدين القطعاني

» ترحيب بعضو جديد
من تراجم العلماء أحمد بن حنبل (3) " المحنة Emptyالإثنين أبريل 22, 2013 10:12 pm من طرف انصيره

» المادة تربية إسلامية / الفصل الثاني / الدرس الأوّل عقيدة
من تراجم العلماء أحمد بن حنبل (3) " المحنة Emptyالإثنين أبريل 22, 2013 6:44 pm من طرف احمد فؤاد

» ايام لاتنسى
من تراجم العلماء أحمد بن حنبل (3) " المحنة Emptyالإثنين أبريل 22, 2013 3:36 pm من طرف احمد فؤاد

» موضوع هام جدا
من تراجم العلماء أحمد بن حنبل (3) " المحنة Emptyالسبت مارس 30, 2013 8:57 am من طرف المدير العام

» القول السوي في حكم الاحتفال بالمولد النبوي
من تراجم العلماء أحمد بن حنبل (3) " المحنة Emptyالثلاثاء يناير 22, 2013 10:39 pm من طرف انصيره

» ترحيب بعضو جديد
من تراجم العلماء أحمد بن حنبل (3) " المحنة Emptyالإثنين ديسمبر 31, 2012 8:41 pm من طرف انصيره

» الدعوة خاصه
من تراجم العلماء أحمد بن حنبل (3) " المحنة Emptyالإثنين ديسمبر 03, 2012 6:31 pm من طرف المدير العام

» اصدقائي دعونا ننطلق من جديد.
من تراجم العلماء أحمد بن حنبل (3) " المحنة Emptyالجمعة نوفمبر 30, 2012 11:27 am من طرف نائب المدير العام

» ترحيب بعضو جديد
من تراجم العلماء أحمد بن حنبل (3) " المحنة Emptyالخميس نوفمبر 29, 2012 7:27 pm من طرف انصيره

» ترحيب بعضو جديد
من تراجم العلماء أحمد بن حنبل (3) " المحنة Emptyالخميس نوفمبر 29, 2012 7:24 pm من طرف انصيره

» ترحيب بعضو جديد
من تراجم العلماء أحمد بن حنبل (3) " المحنة Emptyالخميس نوفمبر 15, 2012 8:49 am من طرف انصيره

» ترحيب بأعضاء جدد
من تراجم العلماء أحمد بن حنبل (3) " المحنة Emptyالإثنين نوفمبر 12, 2012 9:24 pm من طرف انصيره


    من تراجم العلماء أحمد بن حنبل (3) " المحنة

    عزالدين القطعاني
    عزالدين القطعاني
    مشرف قسم اسلاميات


    ذكر
    عدد المساهمات : 181
    تاريخ الميلاد : 15/06/1980
    تاريخ التسجيل : 01/12/2010
    العمر : 43
    الموقع : المرج - ليبيا
    العمل/الترفيه : مدرس

    من تراجم العلماء أحمد بن حنبل (3) " المحنة Empty من تراجم العلماء أحمد بن حنبل (3) " المحنة

    مُساهمة  عزالدين القطعاني الجمعة ديسمبر 31, 2010 3:06 pm

    المحنة :

    قال عمرو بن حكام : حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : لا يمنعن أحدكم مخافة الناس أن يتكلم بحق علمه تفرد به عمرو ، وليس بحجة .

    وقال سليمان بن بنت شرحبيل ، حدثنا عيسى بن يونس ، عن سليمان

    التيمي ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا يمنعن أحدكم هيبة الناس أن يقول بالحق إذا رآه أو سمعه غريب فرد .

    وقال حماد بن سلمة ، ومعلى بن زياد -وهذا لفظه- عن أبي غالب ، عن أبي أمامة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : أحب الجهاد إلى الله كلمة حق تقال لإمام جائر .

    إسحاق بن موسى الخطمي : حدثنا أبو بكر بن عبد الرحمن ، حدثنا يعقوب بن محمد بن عبد الرحمن القاري ، عن أبيه ، عن جده ، أن عمر كتب إلى معاوية : أما بعد، فالزمْ الحق ، ينزلك الحق منازل أهل الحق ، يوم لا يُقضى إلا بالحق .

    وبإسناد واه عن أبي ذر : أبى الحق أن يترك له صديقا .

    الصدع بالحق عظيم ، يحتاج إلى قوة وإخلاص ، فالمخلص بلا قوة يعجز عن القيام به ، والقوي بلا إخلاص يُخْذَل ، فمن قام بهما كاملا ، فهو صدَّيق . ومن ضعف ، فلا أقل من التألم والإنكار بالقلب . ليس وراء ذلك إيمان ، فلا قوة إلا بالله .

    سفيان الثوري ، عن الحسن بن عمرو ، عن محمد بن مسلم مولى حكيم بن حزام ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : إذا رأيتم أمتي تهاب الظالم أن تقول له : إنك ظالم ، فقد تُوُدِّع منهم هكذا رواه جماعة عن سفيان .

    ورواه النضر بن إسماعيل ، عن الحسن ، فقال : عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو مرفوعا . ورواه سيف بن هارون عن الحسن ، فقال : عن أبي الزبير : سمعت عبد الله بن عمرو مرفوعا .

    سفيان الثوري ، عن زبيد ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : لا يحقرن أحدكم نفسه أن يزَى أمرا لله فيه مقال ، فلا يقول فيه ، فيقال له : ما منعك ؟ فيقول : مخافة الناس . فيقول : فإياي كنت أحق أن تخاف رواه الفريابي وأبو نعيم وخلاد عنه .

    حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أبي أسماء ، عن ثوبان ، قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون ، وإذا وضع السيف عليهم ، لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة ، ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين ، لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم حتى يأتي أمر الله .

    الحسين بن موسى : حدثنا الحسين بن الفضل البجلي ، حدثنا عبد العزيز بن يحيى المكي ، حدثنا سليم بن مسلم ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " لله عند إحداث كل باعة تكيد الإسلام ولي يذب عن دينه " . الحديث . هذا موضوع ، ما رواه ابن جريج .

    كان الناس أمة واحدة ، ودينهم قائما في خلافة أبي بكر وعمر . فلما استشهد قُفْلُ باب الفتنة عمر -رضي الله عنه- وانكسر الباب ، قام رءوس الشر على الشهيد عثمان حتى ذبح صبرا . وتفرقت الكلمة وتمت وقعة الجمل ، ثم وقعة صفين . فظهرت الخوارج ، وكفرت سادة الصحابة ، ثم ظهرت الروافض والنواصب .

    وفي آخر زمن الصحابة ظهرت القدرية ، ثم ظهرت المعتزلة بالبصرة ، والجهمية والمجسمة بخراسان في أثناء عصر التابعين مع ظهور السنة وأهلها .

    إلى بعد المائتين ، فظهر المأمون الخليفة -وكان ذكيا متكلما ، له نظر في المعقول- فاستجلب كتب الأوائل ، وعرَّب حكمة اليونان ، وقام في ذلك وقعد ، وخبَّ ووضع ، ورفعت الجهمية والمعتزلة رءوسها ، بل والشيعة ، فإنه كان كذلك . وآل به الحال إلى أن حمل الأمة على القول بخلق القرآن ، وامتحن العلماة ، فلم يمهل . وهلك لِعامه ، وخلَّى بعده شرا وبلاء في الدين . فإن الأمة ما زالت على أن القرآن العظيم كلام الله -تعالى- ووحيه وتنزيله ، لا يعرفون غير ذلك ، حتى نبغ لهم القول بأنه كلام الله مخلوق مجعول ، وأنه إنما يضاف إلى الله -تعالى- إضافة تشريف ، كبيت الله ، وناقة الله . فأنكر ذلك العلماء . ولم تكن الجمهية يظهرون في دولة المهدي والرشيد والأمين فلما ولِي المأمون ، كان منهم ، وأظهر المقالة .

    روى أحمد بن إبراهيم الدروقي ، عن محمد بن نوح : أن الرشيد ، قال : بلغني أن بشر بن غياث المريسي ، يقول : القرآن مخلوق ، فلله عليّ إن أظفرني به ، لأقتلنه . قال الدورقي : وكان متواريا أيام الرشيد فلما مات الرشيد ، ظهر ، ودعا إلى الضلالة .

    قلت : ثم إن المأمون نظر في الكلام ، وناظر ، وبقي متوقفا في الدعاء إلى بدعته .

    قال أبو الفرج بن الجوزي : خالطه قوم من المعتزلة ، فحسنوا له القول بخلق القرآن ، وكان يتردد ويراقب بقايا الشيوخ ، ثم قوي عزمه ، وامتحن الناس .

    أخبرنا المسلم بن محمد في كتابه : أخبرنا أبو اليمن الكندي ، أخبرنا أبو منصور الشيباني ، أخبرنا أبو بكر الخطيب ، أخبرنا أبو بكر الحيري ، أخبرنا أبو العباس الأصم ، أخبرنا يحيى بن أبي طالب ، أخبرني الحسن بن شاذان الواسطي ، حدثني ابن عرعرة ، حدثني ابن أكثم ، قال : قال لنا المأمون : لولا مكان يزيد بن هارون ، لأظهرت أن القرآن مخلوق . فقال بعض جلسائه : يا أمير المؤمنين ، ومن يزيد حتى يتقى ؟ فقال : ويحك ! إني أخاف إن أظهرته فيرد علي يختلف الناس ، وتكون فتنة ، وأنا أكره الفتنة . فقال الرجل : فأنا أخبر ذلك منه ، قال له : نعم . فخرج إلى واسط ، فجاء إلى يزيد ، وقال : يا أبا خالد ، إن أمير المؤمنين يقرئك السلام ، ويقول لك : إني أريد أن أظهر خلق القرآن ، فقال : كذبت على أمير المؤمنين . أمير المؤمنين لا يحمل الناس على ما لا يعرفونه. فإن كنت صادقا ، فاقعد . فإذا اجتمع الناس في المجلس ، فقل . قال : فلما أن كان الغد ، اجتمعوا .

    فقام ، فقال كمقالته ، فقال يزيد : كذبت على أمير المؤمنين ، إنه لا يحمل الناس على ما لا يعرفونه ، وما لم يقل به أحد . قال : فقدم ، وقال : يا أمير المؤمنين ، كنت أعلم ، وقص عليه ، قال : ويحك يلعب بك !!

    قال صالح بن أحمد : سمعت أبي ، يقول : لما دخلنا على إسحاق بن إبراهيم للمحنة ، قرأ علينا كتاب الذي صار إلى طرسوس ، يعني : المأمون ، فكان فيما قرئ علينا : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ و هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فقلت وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ قال صالح : ثم امتحن القوم ، ووجه بمن امتنع إلى الحبس ، فأجاب القوم جميعا غير أربعة : أبي ، ومحمد بن نوح ، والقواريري ، والحسن بن حماد سجادة . ثم أجاب هذان ، وبقي أبي ومحمد في الحبس أياما ، ثم جاء كتاب من طرموس بحملهما مُقيَّدين زميلين .

    الطبراني : حدثنا عبد الله بن أحمد ، حدثني أبو معمر القطيعي ، قال : لما أحضرنا إلى دار السلطان أيام المحنة ، وكان أحمد بن حنبل قد أُحْضِر فلما رأى الناس يجيبون ، وكان رجلا لينا ، فانتفخت أوداجه ، واحمرت عيناه ، وذهب ذلك اللين . فقلت : إنه قد غضب لله ، فقلت أبشر : حدثنا ابن فضيل ، عن الوليد بن عبد الله بن جميع ، عن أبي سلمة ، قال : كان من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من إذا أريد على شيء من أمر دينه ، رأيت حماليق عينيه في رأسه تدور كأنه مجنون .

    أخبرنا عمر بن القواس ، عن الكندي ، أخبرنا الكروخي ، أخبرنا شيخ الإسلام ، أخبرنا أبو يعقوب ، حدثنا الحسين بن محمد الخفاف : سمعت ابن أبي أسامة ، يقول : حكي لنا أن أحمد قيل له أيام المحنة : يا أبا عبد الله ، أو لا ترى الحق كيف ظهر عليه الباطل ؟ قال : كلا ، إن ظهور الباطل على الحق أن تنتقل القلوب من الهدى إلى الضلالة ، وقلوبنا بعد لازمة للحق .

    الأصم : حدثنا عباس الدوري : سمعت أبا جعفر الأنباري ، يقول : لما حمل أحمد إلى المأمون ، أخبرت ، فعبرت الفرات ، فإذا هو جالس في الخان ، فسلمت عليه ، فقال : يا أبا جعفر ، تعنَّيت . فقلت : يا هذا أنت اليوم رأس ، والناس يقتدون بك ، فوالله لئن أجبت إلى خلق القرآن ، ليجيبنّ خلق ، وإن أنت لم تُجب ، ليمتنعن خلق من الناس كثير . ومع هذا فإن الرجل إن لم يقتلك فإنك تموت ، لا بد من الموت ، فاتق الله ولا تجب .

    فجعل أحمد يبكي ، ويقول : ما شاء الله . ثم قال : يا أبا جعفر ، أعد علي فأعدت عليه ، وهو يقول : ما شاء الله .

    قال أحمد بن محمد بن إسماعيل الأدمي : حدثنا الفضل بن زياد ، سمعت أحمد بن حنبل يقول : أول يوم امتحنه إسحاق ، لما خرج من عنده ، وذلك في جمادى الآخرة سنة ثمان عشرة ومائتين ، فقعد في مسجده ، فقال له جماعة : أخبرنا بمن أجاب . فكأنه ثقل عليه ، فكلموه أيضا . قال : فلم يجب أحد من أصحابنا ، والحمد لله . ثم ذكر من أجاب ومن واتاهم على أكثر ما أرادوا . فقال : هو مجعول محدث . وامتحنهم مرة مرة ، وامتحنني مرتين مرتين . فقال لي : ما تقول في القرآن ؟ قلت : كلام الله غير مخلوق .

    فأقامني وأجلسني في ناحية ، ثم سألهم ، ثم ردني ثانية ، فسألني وأخذني في التشبيه . فقلت : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ فقال لي : وما السميع البصير ؟ فقلت : هكذا قال تعالى .

    قال محمد بن إبراهيم البوشنجي : جعلوا يذاكرون أبا عبد الله بالرقة في التقية وما روي فيها . فقال : كيف تصنعون بحديث خباب : إن من كان قبلكم كان ينشر أحدكم بالمنشار ، لا يصده ذلك عن دينه فأيسنا منه .

    وقال : لست أبالي بالحبس ، ما هو ومنزلي إلا واحد ، ولا قتلا بالسيف ، إنما أخاف فتنة السوط. فسمعه بعض أهل الحبس ، فقال : لا عليك يا أبا عبد الله ، فما هو إلا سوطان ، ثم لا تدري أين يقع الباقي ، فكأنه سُرِّي عنه .

    قال : وحدثني من أثق به ، عن محمد بن إبراهيم بن مصعب ، وهو يومئذ صاحب شرطة المعتصم خلافة لأخيه إسحاق بن إبراهيم ، قال : ما رأيت أحدا لم يداخل السلطان ، ولا خالط الملوك ، كان أثبت قلبا من أحمد يومئذ ، ما نحن في عينه إلا كأمثال الذباب .

    وحدثني بعض أصحابنا عن أبي عبد الرحمن الشافعي أو هو حدثني أنهم أنفذوه إلى أحمد في محبسه ليكلمه في معنى التقية ، فلعله يجيب . قال : فصرت إليه أكلمه ، حتى إذا أكثرت وهو لا يجيبني . ثم قال لي : ما قولك اليوم في سجدتي السهو ؟ وإنما أرسلوه إلى أحمد للإلف الذي كان بينه وبين أحمد أيام لزومهم الشافعي . فإن أبا عبد الرحمن كان يومئذ ممن يتقشف ويلبس الصوف ، وكان أحفظ أصحاب الشافعي للحديث من قبل أن يتبطن بمذاهبه المذمومة . ثم لم يحدث أبو عبد الله بعدما أنبأتك أنه حدثني في أول خلافة الواثق ، ثم قطعه إلى أن مات ، إلا ما كان في زمن المتوكل .

    قال صالح بن أحمد : حمل أبي ومحمد بن نوح من بغداد مقيدين ، فصرنا معهما إلى الأنبار . فسأل أبو بكر الأحول أبي : يا أبا عبد الله ، إن عرضت على السيف ، تجيب ؟ قال : لا . ثم سيرا ، فسمعت أبي يقول : صرنا إلى الرحبة ورحلنا منها في جوف الليل ، فعرض لنا رجل ، فقال : أيكم أحمد بن حنبل ؟ فقيل له : هذا ، فقال للجمال : على رسلك ، ثم قال : يا هذا ، ما عليك أن تقتل هاهنا ، وتدخل الجنة ؟ ثم قال : أستودعك الله ، ومضى . فسألت عنه ، فقيل لي : هذا رجل من العرب من ربيعة يعمل الشعر في البادية ، يقال له : جابر بن عامر ، يُذكر بخير .

    أحمد بن أبي الحواري : حدثنا إبراهيم بن عبد الله ، قال : قال أحمد بن حنبل : ما سمعت كلمة منذ وقعت في هذا الأمر أقوى من كلمة أعرابي كلمني بها في رحبة طوق . قال : يا أحمد ، إن يقتلك الحق ، مت شهيدا ، وإن عشت ، عشت حميدا . فقوَّى قلبي .

    قال صالح بن أحمد : قال أبي : فلما صرنا إلى أذنة ورحلنا منها في جوف الليل ، وفُتح لنا بابها ، إذا رجل قد دخل . فقال : البشرى ! قد مات الرجل؛ يعني : المأمون . قال أبي : وكنت أدعو الله أن لا أراه .

    محمد بن إبراهيم البوشجي : سمعت أحمد بن حنبل ، يقول : تبينت الإجابة في دعوتين : دعوت الله أن لا يجمع بيني وبين المأمون ، ودعوته أن لا أرى المتوكل . فلم أر المأمون ، مات بالبَذَنْدُون قلت وهو نهر الروم . وبقي أحمد محبوسا بالرقة حتى بويع المعتصم إثر موت أخيه ، فرُدّ أحمد إلى بغداد . وأما المتوكل فإنه نَوَّه بذكر الإمام أحمد ، والتمس الاجتماع به ، فلما أن حضر أحمد دار الخلافة بسامرّاء ليحدث ولد المتوكل ويبرك عليه ، جلس له المتوكل في طاقة ، حتى نظر هو وأمه منها إلى أحمد ، ولم يره أحمد .

    قال صالح : لما صدر أبي ومحمد بن نوح إلى طرسوس ، ردا في أقيادهما . فلما صار إلى الرقة ، حُمِلا في سفينة ، فلما وصلا إلى عانة توفي محمد ، وفك قيده ، وصلى عليه أبي .

    وقال حنبل : قال أبو عبد الله : ما رأيت أحدا على حداثة سنه ، وقدر علمه أقوم بأمر الله بن محمد بن نوح ، إني لأرجو أن يكون قد ختم له بخير . قال لي ذات يوم : يا أبا عبد الله ، الله الله ، إنك لست مثلي . أنت رجل يُقْتدى بك . قد مد الخلق أعناقهم إليك ، لما يكون منك ، فاتقِ الله واثبت لأمر الله ، أو نحو هذا . فمات ، وصليت عليه ، ودفنته . أظن قال : بعانة .

    قال صالح : وصار أبي إلى بغداد مقيدا . فمكث بالياسرية أياما ، ثم حبس في دار اكتُريت عند دار عمارة ، ثم حول إلى حبس العامة في ، درب الموصلية . فقال : كنت أصلي بأهل السجن ، وأنا مقيد . فلما كان ، في رمضان سنة تسع عشر -قلت : وذلك بعد موت المأمون بأربعة عشر شهرا- حولت إلى دار إسحاق بن إبراهيم ، يعني : نائب بغداد . وأما حنبل ، فقال : حبس أبو عبد الله في دار عمارة ببغداد في إصْطَبْل الأمير محمد بن إبراهيم أخي إسحاق بن إبراهيم ، وكان في حبس ضيق ، ومرض في رمضان . ثم حول بعد قليل إلى سجن العامة ، فمكث في ، السجن نحوا من ثلاثين شهرا . وكنا نأتيه ، فقرأ علي كتاب " الإرجاء " وغيره في الحبس ، ورأيته يصلي بهم في القيد ، فكان يخرج رجله من حلقة القيد وقت الصلاة والنوم .

    قال صالح بن أحمد : قال أبي : كان يوجه إليَّ كل يوم برجلين ، أحدهما يقال له : أحمد بن أحمد بن رباح ، والآخر أبو شعيب الحجام ، فلا يزالان يناظراني ، حتى إذا قاما دعي بقيد ، فزيد في قيودي ، فصار - في رجلي أربعة أقياد . فلما كان في اليوم الثالث ، دخل علي فناظرني ، فقلت له : ما تقول في علم الله ؟ قال : مخلوق . قلت : كفرت بالله فقال الرسول الذي كان يحضر من قبل إسحاق بن إبراهيم : إن هذا رسول أمير المؤمنين . فقلت : إن هذا قد كفر . فلما كان في الليلة الرابعة ، وجه ، يعني : المعتصم ، ببغا الكبير إلى إسحاق ، فأمره بحملي إليه ، فأدخلت على إسحاق ، فقال : يا أحمد، إنها والله نفسك ، إنه لا يقتلك بالسيف ، إنه قد آلى ، إن لم تجبه ، أن يضربك ضربا بعد ضرب ، وأن يقتلك في موضع لا يرى فيه شمس ولا قمر . أليس قد قال الله تعالى : إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا أفيكون مجعولا إلا مخلوقا ؟ فقلت : فقد قال تعالى : فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ أفخلقهم ؟

    قال : فسكت . فلما صرنا إلى الموضع المعروف بباب البستان ، أخرجت ، وجيء بدابة فأركبت وعلي الأقياد ، ما معي من يمسكني ، فكدت غير مرة أن أَخِرَّ على وجهي لثقل القيود . فجيء بي إلى دار المعتصم ، فأدخلت حجرة ، ثم أدخلت بيتا ، وأقفل الباب علي في جوف الليل ولا سراج . فأردت الوضوء ، فمددت يدي ، فإذا أنا بإناء فيه ماء ، وطست موضوع ، فتوضأت وصليت .

    فلما كان من الغد ، أخرجت تكتي ، وشددت بها الأقياد أحملها ، وعطفت سراويلي . فجاء رسول المعتصم ، فقال : أجب فأخذ بيدي ، وأدخلني عليه ، والتكة في يدي ، أحمل بها الأقياد ، وإذا هو جالس ، وأحمد بن أبي دؤاد حاضر ، وقد جمع خلقا كثيرا من أصحابه . فقال لي المعتصم : ادنُه ادنه . فلم يزل يدنيني حتى قربت منه . ثم قال : اجلس ، فجلست ، وقد أثقلتني الأقياد ، فمكثت قليلا ، ثم قلت : أتأذن في الكلام ؟ قال تكلم ، فقلت : إلى ما دعا الله ورسوله ؟ فسكت هُنَيَّة ثم قال : إلى شهادة أن لا إله إلا الله ، فقلت : فأنا أشهد أن لا إله إلا الله . ثم قلت : إن جدك ابن عباس يقول : لما قدم وفد عبد القيس على رسول الله ، سألوه عن الإيمان ، فقال : أتدرون ما الإيمان ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، وأن تعطوا الخمس من المغنم قال أبي : فقال ، يعني : المعتصم : لولا أني وجدتك في يد من كان قبلي ، ما عرضتُ لك .

    ثم قال : يا عبد الرحمن بن إسحاق ، ألم آمرك برفع المحنة ؟ فقلت : الله أكبر ! إن في هذا لفرجا للمسلمين . ثم قال لهم : ناظروه ، وكلموه ، يا عبد الرحمن كلمه . فقال : ما تقول في القرآن ؟ قلت : ما تقول أنت في علم الله ؟ فسكت ، فقال لي بعضهم : أليس قال الله تعالى اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ؟ والقرآن أليس شيئا ؟ فقلت :

    قال الله تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ فدمرت إلا ما أراد الله . . فقال بعضهم : مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ أفيكون محدث إلا مخلوقا ؟ فقلت : قال الله : ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ فالذكر هو القرآن ، وتلك ليس فيها ألف ولام . وذكر بعضهم حديث عمران بن حصين " إن الله خلق الذكر" ، فقلت : هذا خطأ ، حدثنا غير واحد : " إن الله كتب الذكر" واحتجوا بحديث ابن مسعود : ما خلق الله من جنة ولا نار ولا سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسي فقلت : إنما وقع الخلق على الجنة والنار والسماء والأرض ، ولم يقع على القرآن . فقال بعضهم : حديث خباب : يا هنتاه ، تقرب إلى الله بما استطعت ، فإنك لن تتقرب إليه بشيء أحب إليه من كلامه فقلت : هكذا هو .

    قال صالح : وجعل ابن أبي دؤاد ينظر إلى أبي كالمغضب . قال أبي : وكان يتكلم هذا ، فأردُّ عليه . ويتكلم هذا ، فأرد عليه ، فإذا انقطع الرجل منهم ، اعترض ابن أبي دؤاد ، فيقول : يا أمير المؤمنين ، هو ، والله ، ضال مُضل مبتدع ! فيقول : كلموه ، ناظروه ، فيكلمني هذا ، فأرد عليه ، ويكلمني هذا ، فأرد عليه ، فإذا انقطعوا ، يقول المعتصم : ويحك يا أحمد ، ما تقول ؟ فأقول : يا أمير المؤمنين ، أعطوني شيئا من كتاب الله

    أو سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى أقول به . فيقول أحمد بن أبي دؤاد : أنت لا تقول إلا ما في الكتاب أو السنة ؟ فقلت له : تأولت تأويلا ، فأنت أعلم وما تأولت ما يحبس عليه ، ولا يقيد عليه .

    قال حنبل : قال أبو عبد الله : لقد احتجوا علي بشيء ما يقوى قلبي ، ولا ينطلق لساني أن أحكيه . أنكروا الآثار ، وما ظننتهم على هذا حتى سمعته ، وجعلوا يُرغون ، يقول الخصم كذا وكذا فاحتججت عليهم بالقرآن بقوله : يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ أفهذا منكر عندكم ؟ فقالوا : شبه ، يا أمر المؤمنين ، شبه .

    قال محمد بن إبراهيم البوشنجي : حدثني بعض أصحابنا أن أحمد بن أبي دؤاد أقبل على أحمد يكلمه ، فلم يلتفت إليه ، حتى قال المعتصم : يا أحمد ألا تكلم أبا عبد الله ؟ فقلت : لست أعرفه من أهل العلم فأكلمه! !

    قال صالح : وجعل ابن أبي دؤاد ، يقول : يا أمير المؤمنين ، والله لئن أجابك لهو أحب إليَّ من مائة ألف دينار ، ومائة ألف دينار ، فيعد من ذلك ما شاء الله أن يعد . فقال : لئن أجابني لأطلقكن عنه بيدي ، ولأركبن إليه بجندي ، ولأطان عقبه .

    ثم قال : يا أحمد ، والله إني عليك لشفيق ، لم وإني لأشفق عليك

    كشفقتي على ابني هارون ، ما تقول ؟ فأقول : أعطوني شيئا من كتاب الله وسنة رسوله .

    فلما طال المجلس ، ضجر وقال : قوموا ، وحبسني -يعني عنده- وعبد الرحمن بن إسحاق يكلمني . وقال : ويحك ! أجبني . وقال : ويحك ! ألم تكن تأتينا ؟ فقال له عبد الرحمن : يا أمير المؤمنين ، أعرفه منذ ثلاثين سنة ، يرى طاعتك والحج والجهاد معك . فيقول : والله إنه لعالم ، وإنه لفقيه . وما يسوءني أن يكون معي يرد عني أهل الملل . ثم قال : ما كنت تعرف صالحا الرشيدي ؟ قلت : قد سمعت به قال : كان مؤدبي ، وكان في ذلك الموضع جالسا ، وأشار إلى ناحية من الدار .

    فسألني عن القرآن ، فخالفني ، فأمرت به فوُطِئ وسحب ! يا أحمد ، أجبني إلى شيء لك فيه أدنى فرج ، حتى أطلق عنك بيدي . قلت : أعطوني شيئا من كتاب الله وسنة رسوله . فطال المجلس ، وقام ، ورددت إلى الموضع .

    فلما كان بعد المغرب ، وجه إليَّ رجلين من أصحاب ابن أبي دؤاد ، يبيتان عندي ويناظراني ويقيمان معي ، حتى إذا كان وقت الإفطار ، جيء بالطعام ، ويجتهدان بي أن أفطر فلا أفعل -قلت : وكانت ليالي رمضان-

    قال : ووجه المعتصم إلي ابن أبي دؤاد في الليل ، فقال : يقول لك أمير المؤمنين : ما تقول ؟ فأرد عليه نحوا مما كنت أرد . فقال ابن أبي دؤاد : والله

    لقد كتب اسمك في السبعة : يحيى بن معين وغيره فمحوتُه . ولقد ساءني أخذهم إياك . ثم يقول : إن أمير المؤمنين قد حلف أن يضربك ضربا بعد ضرب ، وأن يلقيك في موضع لا ترى فيه الشمس . ويقول : إن أجابني ، جئت إليه حتى أطلق عنه بيدي ، ثم انصرف .

    فلما أصبحنا جاء رسوله ، فأخذ بيدي حتى ذهب بي إليه ، فقال لهم : ناظروه وكلموه ، فجعلوا يناظروني ، فأرد عليهم . فإذا جاءوا بشيء من الكلام مما ليس في الكتاب والسنة ، قلت : ما أدري ما هذا . قال : فيقولون : يا أمير المؤمنين ، إذا توجهت له الحجة علينا ، ثبت ، وإذا كلمناه بشيء ، يقول : لا أدري ما هذا ؟ فقال : ناظروه فقال رجل : يا أحمد ، أراك تذكرالحديث وتنتحله ، فقلت : ما تقول في قوله : يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ؟ قال : خص الله بها المؤمنين . قلت : ما تقول : إن كان قاتلا أو عبدا ؟ فسكت ، وإنما احتججت عليهم بهذا ؛ لأنهم كانوا يحتجون بظاهر القرآن . فحيث قال لي : أراك تنتجل الحديث ، احتججت بالقرآن ، يعني : وإن السنة خصصت القاتل والعبد ، فأخرجتهما من العموم . قال : فلم يزالوا كذلك إلى قرب الزوال . فلما ضجر ، قال : قوموا ، ثم خلا بي ، وبعبد الرحمن بن إسحاق ، فلم يزل يكلمني ، ثم قام ودخل . ورددت إلى الموضع .

    قال : فلما كانت الليله الثالثة ، قلت : خليق أن يحدث غدا من أمري

    شيء فقلت للموكل بي : أريد خيطا فجاءني بخيط ، فشددت به الأقياد ، ورددت التكة إلى سراويلي مخافة أن يحدث من أمري شيء ، فأتعرى . فلما كان من الغد ، أدخلت إلى الدار ، فإذا هي غاصّة ، فجعلت أدخل من موضع إلى موضع ، وقوم معهم السيوف ، وقوم معهم السياط ، وغير ذلك .

    ولم يكن في اليومين الماضيين كبير أحد من هؤلاء . فلما انتهيت إليه ،

    قال : اقعد . ثم قال : ناظروه ، كلموه . فجعلوا يناظروني ، يتكلم هذا ، فأرد عليه ، ويتكلم هذا ، فأرد عليه ، وجعل صوتي يعلو أصواتهم . فجعل بعض من هو قائم على رأسي يومئ إلي بيده ، فلما طال المجلس ، نحاني ، ثم خلا بهم ، ثم نحاهم ، وردني إلى عنده ، وقال : ويحك يا أحمد ! أجبني حتى أطلق عنك بيدي ، فرددت عليه نحو ردي . فقال : عليك ، وذكر اللعن ، خذوه اسحبوه خلعوه . فسحبت وخلعت .

    قال : وقد كان صار إلي شعر من شعر النبي -صلى الله عليه وسلم- في كم قميصي ، فوجه إلي إسحاق بن إبراهيم ، يقول : ما هذا المصرور ؟ قلت : شعر من شعر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسعى بعضهم ليخرق القيمص عني ، فقال المعتصم : لا تخرقوه ، فنزع ، فظننت أنه إنما دُرِيء عن القميص الخرق بالشعر . قال : وجلس المعتصم على كرسي ، ثم قال : العقابين والسياط ، فجيء بالعقابين ، فمدت يداي ، فقال بعض من حضر خلفي : خذ ناتئ الخشبتين بيديك ، وشد عليهما . فلم أفهم ما قال ، فتخلعت يداي .

    قال محمد بن إبراهيم البوشنجي : ذكروا أن المعتم ألان في أمر أحمد لما علق في العقابين ، ورأى ثباته وتصميمه وصلابته ، حتى أغراه أحمد بن أبي دؤاد ، وقال : يا أمير المؤمنين ، إن تركته ، قيل : قد ترك مذهب المأمون ، وسخط قوله ، فهاجه ذلك على ضربه .

    وقال صالح : قال أبي : ولما جيء بالسياط ، نظر إليها المعتصم ، فقال : ائتوني بغيرها ، ثم قال للجلادين : تقدموا ، فجعل يتقدم إلي الرجل منهم ، فيضربني سوطين ، فيقول له : شد ، قطع الله يدك ! ثم يتنحى ويتقدم آخر ، فيضربني سوطين ، وهو يقول في كل ذلك : شد ، قطع الله يدك! فلما ضربت سبعة عشر سوطا ، قام إلي ، يعني : المعتصم ، فقال : يا أحمد ، علام تقتل نفسك ؟ إني والله عليك لشفيق ، وجعل عجيف ينخسني بقائمة سيفه ، وقال : أتريد أن تغلب هؤلاء كلهم ؟ وجعل بعضهم يقول : ويلك ! إمامك على رأسك قائم . وقال بعضهم : يا أمير المؤمنين ، دمه في عنقي ، اقتله ، وجعلوا يقولون : يا أمير المؤمنين ، أنت صائم ، وأنت في الشمس قائم ! فقال لي : ويحك يا أحمد ، ما تقول ؟ فأقول : أعطوني شيئا من كتاب الله أو سنة رسول الله أقول به . . فرجع وجلس . وقال للجلاد : تقدم ، وأوجع ، قطع الله يدك ، ثم قام الثانية ، وجعل يقول : ويحك يا أحمد : أجبني . فجعلوا يقبلون علي ، ويقولون : يا أحمد ، إمامك على رأسك قائم ! وجعل عبد الرحمن يقول : من صنع من أصحابك في هذا الأمر ما تصنع ؟ والمعتصم يقول : أجبني إلى شيء لك فيه أدنى فرج حتى أطلق عنك بيدي ، ثم رجع ، وقال للجلاد : تقدم ، فجعل يضربني سوطين ويتنحى ، وهو في خلال ذلك يقول : شد ، قطع الله يدك .

    فذهب عقلي ، ثم أفقت بعد ، فإذا الأقياد قد أطلقت عني . فقال لي رجل ممن حضر : كببناك على وجهك ، وطرحنا على ظهرك باريَّة ودُسْناك ! قال أبي فما شعرت بذلك ، وأتوني بسويق ، وقالوا : اشرب وتقيأ ، فقلت : لا أفطر . ثم جيء بي إلى دار إسحاق بن إبراهيم ، فحضرت الظهر ، فتقدم ابن سماعة ، فصلى . فلما انفتل من صلاته ، وقال لي : صليت ، والدم يسيل في ثوبك ؟ قلت : قد صلى عمر ، وجرحه يثعب دما .

    قال صالح : ثم خلي عنه ، فصار إلى منزله . وكان مكثه في السجن منذ أُخذ إلى أن ضرب وخلِّي عنه ، ثمانية وعشرين شهرا . ولقد حدثني أحد الرجلين اللذين كانا معه ، قال : يا ابن أخي ، رحمة الله على أبي عبد الله ، والله ما رأيت أحدا يشبهه ، ولقد جعلت أقول له في وقت ما يوجه إلينا بالطعام : يا أبا عبد الله ، أنت صائم ، وأنت في موضع تفئة . ولقد

    عطش ، فقال لصاحب الشراب : ناولني ، فناوله قدحا فيه ماء وثلج ، فأخذه ونظر فيه ، ثم رده ، ولم يشرب ، فجعلت أعجب من صبره على الجوع والعطش ، وهو فيما هو فيه من الهول !

    قال صالح : فكنت ألتمس وأحتال أن أوصل إليه طعاما أو رغيفا في تلك الأيام ، فلم أقدر . وأخبرني رجل حضره : أنه تفقده في الأيام الثلاثة وهم يناظرونه ، فما لحن في كلمة . قال : وما ظننت أن أحدا يكون في مثل شجاعته وشدة قلبه .

    قال حنبل : سمعت أبا عبد الله ، يقول : ذهب عقلي مرارا ، فكان إذا رفع عني الضرب ، رجعت إلي نفسي . وإذا استرخيت وسقطت ، رفع الضرب ، أصابني ذلك مرارا . ورأيته ، يعني : المعتصم ، قاعدا في الشمس بغير مظلة ، فسمعته ، وقد أفقت يقول لابن أبي دؤاد ، لقد ارتكبت إثما في أمر هذا الرجل . فقال : يا أمير المؤمنين ، إنه -والله- كافر مشرك ، قد أشرك من غير وجه . فلا يزال به حتى يصرفه عما يريد . وقد كان أراد تخليتي بلا ضرب ، فلم يدعه ، ولا إسحاق بن إبراهيم .

    قال حنبل : وبلغني أن المعتصم ، قال لابن أبي دؤاد بعدما ضرب أبو عبد الله : كم ضرب ؟ قال : أربعة أو نيفا وثلاثين سوطا .

    قال أبو الفضل عبيد الله الزهري : قال المروذي : قلت ، وأبو عبد الله بين الهبازين يا أستاذ ، قال الله تعالى : وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ قال : يا مروذي ، اخرج وانظر . فخرجت إلى رحبة دار

    الخلافة ، فرأيت خلقا لا يحصيهم إلا الله ، والصحف في أيديهم ، والأقلام والمحابر . فقال لهم المروذي : ماذا تعملون ؟ قالوا : ننظر ما يقول أحمد ، فنكتبه . فدخل فأخبره . فقال : يا مروذي، أضل هؤلاء كلهم ؟! فهذه حكاية منقطعة .

    قال ابن أبي حاتم : حدثنا عبد الله بن محمد بن الفضل الأسدي ،

    قال : لما حمل أحمد ليضرب ، جاءوا إلى بشر بن الحارث ، وقالوا : قد وجب عليك أن تتكلم . فقال : أتريدون مني أقوم مقام الأنبياء ، ليس ذا عندي . حفظ الله أحمد من بين يديه ومن خلفه .

    الحسن بن محمد بن عثمان الفسوي : حدثنا داود بن عرفة ، حدثنا ميمون بن أصبغ ، قال : كنت ببغداد وامتحن أحمد . فأخذت مالا له خطر ، فذهبت به إلى من يدخلني إلى المجلس . فأدخلت ، فإذا السيوف قد جردت ، وبالرماح قد ركزت ، وبالتراس قد صففت ، وبالسياط قد وضعت . وألبست قباء أسود ومنطقة وسيفا. ووقفت حيث أسمع الكلام . فأتى أمير المؤمنين ، فجلس على كرسي . وأُتي بأحمد ، فقال

    له : وقرابتي من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأضربنك بالسياط ، أو تقول كما أقول .

    ثم التفت إلى جلاد ، فقال : خذه إليك ، فأخذه ، فلما ضرب سوطا ،

    قال : باسم الله ، فلما ضرب الثاني ، قال : لا حول ولا قوة إلا بالله ، فلما ضرب الثالث ، قال : القرآن كلام الله غير مخلوق ، فلما ضرب الرابع ،

    قال : قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا فضرب تسعة وعشرين سوطا . وكانت تكته حاشية ثوب ، فانقطت ، فنزل السراويل إلى عانته. فقلت : الساعة ينهتك ، فرمى بطرفه إلى السماء ، وحرك شفتيه ، فما كان بأسرع من أن بقي السراويل لم ينزل . فدخلت عليه بعد سبعة أيام ، فقلت : يا أبا عبد الله ! رأيتك وقد انحل سراويلك ، فرفعت طرفك نحو السماء ، فما قلت ؟ قال : قلت : اللهم أسألك باسمك الذي ملأت به العرش ، إن كنت تعلم أني على الصواب ، فلا تهتك لي سترا .

    هذه حكاية منكرة ، أخاف أن يكون داود وضعها .

    قال جعفر بن أحمد بن فارس الأصبهاني : حدثنا أحمد بن أبي عبيد الله ، قال : قال أحمد بن الفرج : حضرت أحمد بن حنبل لما ضرب ، فتقدم أبو الدن فضربه بضعة عشر سوطا ، فأقبل الدم من أكتافه ، وكان عليه سراويل ، فانقطع خيطه ، فنزل . فلحظته وقد حرك شفتيه ، فعاد السراويل كما كان . فسألته ، قال : قلت : إلهي وسيدي ، وقفتني هذا الموقف ، فتهتكني على رءوس الخلائق !

    وهذه الحكاية لا تصح . وقد ساق صاحب " الحلية " من الخرافات السمجة هنا ما يُستحيا من ذكره .

    فمن ذلك قال : حدثنا الحسين بن محمد ، حدثنا ابراهيم بن محمد بن إبراهيم القاضي ، حدثني أبو عبد الله الجوهري ، حدثنا يوسف بن يعقوب ، سمعت علي بن محمد القرشي ، قال : لما جُرِّد أحمد ليضرب ، وبقي في سراويله ، فبينا هو يضرب ، انحل سراويله ، فحرك شفتيه ، فرأيت يدين خرجتا من تحته ، فشدتا السراويل . فلما فرغوا من الضرب ، سألناه .

    قال : فقلت : يا من لا يعلم العرش منه أين هو إلا هو ، إن كنت على الحق ، فلا تُبْدِ عورتي .

    أوردها البيهقي في مناقب أحمد ، وما جسر على توهيتها ، بل ، روى عن أبي مسعود البجلي ، عن ابن جهضم ذاك الكذاب : حدثنا أبو بكر النجاد ، حدثنا ابن أبي العوام الرياحي نحوا منها . وفيها أن مئزره اضطرب ، فحرك شفتيه ، فرأيت كفا من ذهب خرح من تحت مئزره بقدرة الله ، فصاحت العامة .

    أخبرني ابن الفراء ، حدثنا ابن قدامة ، حدثنا ابن خضير ، حدثنا ابن يوسف ، حدثنا البرمكي ، حدثنا علي بن مردك ، حدثنا ابن أبي حاتم ، حدثنا أحمد بن سنان : أنه بلغه ، أن المعتصم نظر عند ضربه إياه إلى شيء مصرور في كمه ، فقال : أي شيء هذا ؟ قال : شعر من شعر النبي صلى الله عليه وسلم.

    قال : هاته ، وأخذها منه . ثم قال أحمد بن سنان : كان ينبغي أن يرحمه عندما رأى شعرة من شعر النبي -صلى الله عليه وسلم- معه في تلك الحال . وبه قال ابن أبي حاتم : قال أبو الفضل صالح : خلي عنه ، فصار إلى المنزل ، ووجه إلى المطبق . فجيء برجل ممن يبصر الضرب والعلاج ، فنظر إلى ضربه ، فقال قد رأيت من ضرب ألف سوط ، ما رأيت ضربا مثل هذا . لقد جُرَّ عليه من خلفه ، ومن قُدَّامه ، ثم أخذ ميلا ، فأدخله في بعض تلك الجراحات . فنظر إليه فقال : لم يُنْقَب ؟ وجحل يأتيه ويعالجه . وكان قد أصاب وجهه غير ضربة . ومكث منكبا على وجهه كم شاء الله . ثم قال له : إن هاهنا شيئا أريد أن أقطعه ، فجاء بحديدة ، فجعل يعلق اللحم بها ، فيقطعه بسكين معه ، وهو صابر لذلك ، يجهر بحمد الله في ذلك ، فبرأ منه .

    ولم يزل يتوجع من مواضع منه ، وكان أثر الضرب بيِّنا في ظهره إلى أن توفي .

    ودخلت يوما ، فقلت له : بلغني أن رجلا جاء إليك ، فقال : اجعلني في حل إذ لم أقم بنصرتك . فقلت : لا أجعل أحدا في حل ، فتبسم أبي وسكت . وسمعت أبي يقول : لقد جعلت الميت في حل من ضربه إياي . ثم قال : مررت بهذه الآية : فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ فنظرت في تفسيرها ، فاذا هو ما أخبرنا هاشم بن القاسم ، أخبرنا المبارك بن فضالة ، قال : أخبرني من سمع الحسن ، يقول : إذا كان يوم القيامة ، جثت الأمم كلها بين يدي الله رب العالمين ، ثم نودي أن لا يقوم إلا من أجره على الله ، فلا يقوم إلا من عفا في الدنيا . قال : فجعلت الميت في حل . ثم قال : وما على رجل أن لا يعذب الله بسببه أحدا .

    وبه قال ابن أبي حاتم : حدثني أحمد بن سنان ، قال : بلغني أن أحمد بن حنبل ، جعل المعتصم في حل يوم فتح عاصمة بابك وظفر به ، أو في فتح عمورية ، فقال : هو في حل من ضربي . وسمعت أبي أبا حاتم يقول : أتيت أبا عبد الله بعدما ضرب بثلاث سنين أو نحوها ، فجرى ذكر الضرب ، فقلت له : ذهب عنك ألم الضرب ؟ فأخرج يديه وقبض كوعيه اليمين واليسار ، وقال : هذا ، كأنه يقول : خُلع وإنه يجد منهما ألم ذلك .

    وبه قال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن المثنى صاحب بشر ، قال : قال أحمد بن حنبل : قيل لي : اكتب ثلاث كلمات ، ويخلَّى سبيلك فقلت : هاتوا ، قالوا : اكتب : الله قديم لم يزل . قال : فكتبت . فقالوا : اكتب : كل شيء دون الله مخلوق . وقالوا : اكتب : الله رب القرآن .

    قلت : أما هذه فلا ، ورميت بالقلم . فقال بشر بن الحارث : لو كتبها ، لأعطاهم ما يريدون .

    وبه قال : وقال إبراهيم بن الحارث العبادي -وكان رافقنا في بلاد الروم- قال : حضر أحمد بن حنبل أبو محمد الطفاوي ، فذُكر له حديث ، فقال أبو عبد الله : أخبرك بنظير هذا ، لما أخرج بنا ، جعلت أفكر فيما نحن

    فيه ، حتى إذا صرنا إلى الرحْبة ، أنزلنا بظاهرها ، فمددت بصري ، فإذا بشيء لم أستثبته ، فلم يزل يدنو ، وإذا أعرابي جعل يتخطى تلك المحامل حتى صار إلي ، فوقف علي ، فسلم ، ثم قال : أنت أحمد بن حنبل ؟ فسكت تعجبا !! ثم أعاد ، فسكت . فبرك على ركبتيه ، فقال : أنت أبو عبد الله أحمد بن حنبل ؟ فقلت نعم . فقال : أبشر واصبر ، فإنما هي ضربة هاهنا ، وتدخل الجنة هاهنا . ثم مضى .

    فقال الطفاوي : يا أبا عبد الله ! إنك محمود عند العامة ، فقال : أحمد الله على ديني ، إنما هذا دين ، لو قلت لهم ، كفرت . فقال الطفاوي : أخبرني بما صنعوا بك ؟ قال : لما ضربت بالسياط ، جعلت أذكر كلام الأعرابي ، ثم جاء ذاك الطويل اللحية -يعني: عجيفا- فضربني بقائم السيف . ثم جاء ذاك ، فقلت : قد جاء الفرج ، يضرب عنقي ، فأستريح .

    فقال له ابن سماعة : يا أمير المؤمنين : اضرب عنقه ودمه في رقبتي . فقال ابن أبي دؤاد : لا يا أمير المؤمنين ، لا تفعل . فإنه إن قتل أو مات في دارك ، قال الناس : صبر حتى قتل ، فاتخذه الناس إماما ، وثبتوا على ما هم عليه ، ولكن أطلقه الساعة ، فإن مات خارجا من منزلك ، شك الناس في أمره . وقال بعضهم : أجاب ، وقال بعضهم : لم يجب . فقال الطفاوي : وما عليك لو قلت ؟ قال أبو عبد الله : لو قلت ، لكفرت .

    وبه قال ابن أبي حاتم : سمعت أبا رزعة ، يقول : دعا المعتصم بعم أحمد ، ثم قال للناس : تعرفونه ؟ قالوا : نعم ، هو أحمد بن حنبل . قال : فانظروا إليه ، أليس هو صحيح البدن ؟ قالوا : نعم . ولولا أنه فعل ذلك ، لكنت تخاف أن يقع شيء لا يقام له . قال : ولما قال : قد سلمته إليكم صحيح البدن ، هدأ الناس وسكنوا .

    قلت : ما قال هذا مع تمكنه في الخلافة وشجاعته إلا عن أمر كبير ، كأنه خاف أن يموت من الضرب ، فتخرج عليه العامة . ولو خرج عليه عامة بغداد لربما عجز عنهم .

    وقال حنبل : لما أمر المعتصمم بتخلية أبي عبد الله ، خلع عليه مبطنة وقميصا وطيلسانا وقلنسوة وخُفا . فبينا نحن على باب الدار ، والناس في الميدان والدروب وغيرها ، وغلقت الأسواق إذ خرج أبو عبد الله على دابة من دار المعتصم في تلك الثياب ، وأحمد بن أبي دؤاد عن يمينه ، وإسحاق بن إبراهيم -يعني: نائب بغداد- عن يساره . فلما صار في الدهليز قبل أن يخرج ، قال لهم ابن أبي دؤاد : اكشفوا رأسه فكشفوه ، يعني : من الطيلسان ، وذهبوا يأخذون به ناحية الميدان نحو طريق الحبس . فقال لهم إسحاق : خذوا به هاهنا يريد دجلة ، فذهب به إلى الزورق ، وحمل إلى دار إسحاق بن إبراهيم ، فأقام عنده إلى أن صليت الظهر . وبعث إلى والدي وإلى جيراننا ومشايخ المحال ، فجمعوا وأدخلوا عليه . فقال لهم : هذا أحمد بن حنبل ، إن كان فيكم من يعرفه وإلا فليعرفه .

    وقال ابن سماعة -حين دخل الجماعة- لهم : هذا أحمد بن حنبل ، وإن أمير المؤمنين ناظره في أمره ، وقد خلى سبيله ، وهاهو ذا ، فأخرج على فرس لإسحاق بن إبراهيم عند غروب الشمس ، فصار إلى منزله ، ومعه السلطان والناس ، وهو منحن . فلما ذهب لينزل احتضنته ولم أعلم ، فوقعت يدي على موضع الضرب ، فصاح ، فنحيت يدي ، فنزل متوكئا علي ، وأغلق الباب ، ودخلنا معه ، ورمى بنفسه على وجهه لا يقدر أن يتحرك إلا بجهد ،

    ونزع ما كان خلع عليه ، فأمر به فبيع وتصدق بثمنه .

    وكان المعتصم أمر إسحاق بن إبراهيم أن لا يقطع عنه خبره . وذلك أنه ترك فيما حكي لنا عند الإياس منه .

    وبلغنا أن المعتصم ندم ، وأُسقِط في يده ، حتى صَلُح ، فكان صاحب خبر إسحاق بن إبراهيم يأتينا كل يوم يتعرف خبره ، حتى صح ، وبقيت إبهاماه منخلعتين يضربان عليه في البرد ، فيُسخن له الماء ، ولما أردنا علاجه ، خفنا أن يدس أحمد بن أبي دؤاد سُمّا إلى المعالج ، فعملنا الدواء والمرهم في منزلنا .

    وسمعته يقول : كل من ذكرني ففي حل إلا مبتدعا ، وقد جعلت أبا إسحاق -يعني: المعتصم- في حل ، ورأيت الله يقول : وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر بالعفو في قصة مسطح . قال أبو عبد الله : وما ينفعك أن يعذب الله أخاك المسلم في سببك ؟ ! !

    قال حنبل : قال أبو عبد الله : قال برغوث -يعني: يوم المحنة- : يا

    أمير المؤمنين هو كافر حلال الدم ، اضرب عنقه ، ودمه في عنقي . وقال شعيب كذلك أيضا تقلد دمي ، فلم يلتفت أبو إسحاق إليهما . وقال أبو عبد الله : لم يكن في القوم أشد تكفيرا لي منهما ، وأما ابن سماعة ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إنه من أهل بيت شرف ولهم قدم ، ولعله يصير إلى الذي عليه أمير المؤمنين ، فكأنه رق عندها ، وكان إذا كلمني ابن أبي دؤاد ، لم ألتفت إلى كلامه ، وإذا كلمني أبو إسحاق ، ألنت له القول . قال : فقال في اليوم الثالث : أجبني يا أحمد ، فإنه بلغني أنك تحب الرئاسة ، وذلك لما أوغروا قلبه علي ، وجعل برغوث يقول : قال الجبري : كذا وكذا ، كلام هو الكفر بالله . فجعلت أقول : ما أدري ما هذا ، إلا أني أعلم أنه أحد صمد لا شبه له ولا عدل ، وهو كما وصف نفسه ، فسكت .

    وقال لي أبو إسحاق : يا أحمد ، إني لأُشفق عليك كشفقتي على ابني هارون ، فأجبني ، والله لوددت أني لم أكن عرفتك يا أحمد ، الله الله في دمك .

    فلما كان في آخر ذلك ، قال : لعنك الله ، لقد طمعت أن تجيبني ، ثم قال : خذوه واسحبوه . فأُخِذتُ ثم خُلِّعْت ، وجيء بعقابين وأسياط ، وكان معي شَعْر من شعر النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم صُيِّرت بين العقابين ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، الله الله ، إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : لا يحل دم امرئ يشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث يا أمير المؤمنين ، فيم تستحل دمي ؟ الله الله ، لا تلق الله وبيني وبينك مطالبة . اذكر يا أمير المؤمنين وقوفك بين يدي الله -تعالى- كوقوفي بين يديك ، وراقب الله . فكأنه أمسك ، فخاف ابن أبي دؤاد أن يكون منه عطف أو رأفة ، فقال : إنه كافر بالله ضالّ مُضِلّ .

    قال حنبل : لما أردنا علاجه ، خِفْنا أن يدسُّ ابن أبي دؤاد إلى المعالج ، فيلقي في دوائه سُمّا . فعملنا الدواء والمرهم عندنا ، فكان في بَرْنيَّة فإذا داواه ، رفعناها . قال : وكان إذا أصابه البرد ، ضُرب عليه .

    وقال : لقد ظننت أني أعطيت المجهود من نفسي .
    يتبع : ج4

      الوقت/التاريخ الآن هو الأربعاء مايو 01, 2024 11:13 pm